ثناءً عليهم وحمداً لأحوالهم في الإيمان والتقوى والإحسان. ومثاله أن يقال لك: هل على زيد فيما فعل جناح؟ فتقول - وقد علمت أن ذلك أمرٌ مباحٌ -: ليس على أحدٍ جناحٌ في المباح إذا اتقى المحارم، وكان مؤمناً محسناً، تريد: أن زيداً تقيّ مؤمن محسنٌ، وأنه غير مؤاخذٍ بما فعل.

[(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ)].

نزلت عام الحديبية، ابتلاهم اللَّه بالصيد وهم محرمون، وكثر عندهم حتى كان يغشاهم في رحالهم، فيستمكنون من صيده أخذاً بأيديهم وطعناً برماحهم. (لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ): ليتميز من يخاف عقاب اللَّه- وهو غائبٌ منتظرٌ في الآخرة فيتقى الصيد- ممن لا يخافه فيقدم عليه. (فَمَنِ اعْتَدى): فصاد (بَعْدَ ذلِكَ) الابتلاء، فالوعيد لاحق به.

فإن قلت: ما معنى التقليل والتصغير في قوله: (بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ)؟ قلت: قلل وصغر ليعلم أنه ليس بفتنةٍ من الفتن العظام التي تدحض عندها أقدام الثابتين، كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال، وإنما هو شبيهٌ بما ابتلي به أهل أيلة من صيد السمك، وأنهم إذا لم يثبتوا عنده، فكيف شأنهم عند ما هو أشدّ منه وقرأ إبراهيم:

(يناله) بالياء.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (قلل وصغر ليعلم أنه ليس بفتنة من الفتن العظام)، الانتصاف: وردت مثل هذه الصيغة في الفتن العظيمة في قوله: {بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ} [البقرة: 155]، بل هو إشارة إلى ما يقع به الابتلاء من هذه الأمور، فهو بعض من كل بالإضافة إلى مقدور الله تعالى، فإنه تعالى قادر على أن يبتليهم بأعظم وأهول منه ليبعثهم بذلك على الصبر، ويدل على ذلك أنه سبق الوعد به قبل حلوله لتوطين النفوس عليه، فإن المفاجأة بالشدائد شديدة الألم، وإذا فكر العاقل وجد ما صرف عنه من البلايا أثر مما وقع فيه بأضعاف لا تقف عنده غايته، فسبحان اللطيف بعباده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015