في السؤال معنى القول؛ فلذلك وقع بعده (مَاذا أُحِلَّ لَهُمْ)، كأنه قيل: يقولون لك ماذا أحلّ لهم؟ وإنما لم يقل:ماذا أحلّ لنا؛ حكاية لما قالوه، لأنّ (يسألونك) بلفظ الغيبة، كما تقول أقسم زيد ليفعلنّ. ولو قيل: لأفعلنّ وأُحِلَّ لنا، لكان صواباً.
و(ماذا) مبتدأ، و (أُحِلَّ لَهُمْ) خبره كقولك: أي: شيء أحل لهم؟ ومعناه:ماذا أحل لهم من المطاعم كأنهم حين تلا عليهم ما حرّم عليهم من خبيثات المآكل سألوا عما أحلّ لهم منها، فقيل: (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) أي: ما ليس بخبيث منها، وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة أو قياس مجتهد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وأساس الدين مبني عليه، لأن به يتمكن المكلف من العبادة، ويؤيده ما روينا عن مسلم والترمذي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثُم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟ "، ومسلم لم يذكر الملبس، انظر إلى الحديث أيضاً كيف كر إلى قوله: "وغُذي بالحرام" بعد قوله: "ومطعمه حرام".
قوله: (وهو كل ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة)، الراغب: الطيب التام هو الذي يستلذ عاجلاً وآجلاً، وذلك هو الحلال الذي لا يعقب مأثماً.