وعن شريك: لا يقضى من الدية دين، ولا تنفذ وصية. وعن ربيعة: الغرة لأم الجنين وحدها، وذلك خلاف قول الجماعة. (فإن قلت): على من تجب الرقبة والدية؟ قلت: على القاتل إلا أن الرقبة في ماله، والدية تتحملها عنه العاقلة، فإن لم تكن له عاقلة فهي في بيت المال، فإن لم يكن، ففي ماله (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا): إلا أن يتصدقوا عليه بالدية، ومعناه: العفو، كقوله: (إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ) [البقرة: 237]، ونحوه: (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة: 280]. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «كل معروف صدقة». وقرأ أبيّ: (إلا أن يتصدقوا). فإن قلت: بم تعلق (أن يصدقوا) وما محله؟ قلت: تعلق بـ"عليه"، أو بـ (مسلمة)؛ كأنه قيل: وتجب عليه الدية، أو يسلمها إلا حين يتصدقون عليه، ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان، كقولهم: أجلس ما دام زيد جالساً، ويجوز أن يكون حالاً من (أهله)، بمعنى: إلا متصدقين.
(مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ) من قومٍ كفارٍ أهل حرب؛ وذلك نحو رجل أسلم في قومه الكفار، وهو بين أظهرهم لم يفارقهم، فعلى قاتله الكفارة إذا قتله خطأ، وليس على عاقلته لأهله شيء، لأنهم كفار محاربون. وقيل: كان الرجل يسلم ثم يأتي قومه وهم مشركون، فيغزوهم جيش المسلمين، فيقتل فيهم خطأ؛ لأنهم يظنونه كافراً مثلهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (العاقلة). النهاية: هم العصبة والأقارب من قبل الأب الذين يُعطون دية قتيل الخطأ، وهي صفة جماعة عاقلة، وأصلها: اسم فاعلة من العقل، وهي من الصفات الغالية.
قوله: (بم تعلق {أَنْ يَصَّدَّقُوا}؟ ) إشارة إلى أن الاستثناء مفرغ، و"إلا" لغوٌ، كقولك: قرأت إلا يوم الجمعة.
قوله: (تعلق بـ "عليه")، قيل: بـ "عليه" المحذوف عند قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، هذا باطل؛ لأن تحرير الرقبة حق الله لا يسقط بعفو الولي. نعم، يجوز أن تتعلق بـ"عليه" المقدر في قوله: {وَدِيَةٌ}؛ لأنها عطف على "تحرير"، وإليه أشار بقوله: "ويجب عليه الدية، أو يُسلمها إلا حين يتصدقون عليه". وإذا عُلِّق بـ {مُسَلَّمَةٌ} يكون عطف "دية" على "تحرير" من قبيل الانسحاب عطف مفرد على مفرد.