وقرأ ابن هرمز: (نضاعفها) بالنون. (فَكَيْفَ) يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم (إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) يشهد عليهم بما فعلوا، وهو نبيهم، كقوله: (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ) [المائدة: 117]. (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ) المكذبين (شَهِيداً).
وعن ابن مسعود: أنه قرأ سورة النساء على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم حتى بلغ قوله: (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) فبكى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وقال: «حسبنا».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: ((فَكَيْفَ) يصنع هؤلاء الكفرة من اليهود وغيرهم؟ ) يريد أن الإشارة بقوله: (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) إلى جميع من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذاً هذه الآية ناظرة إلى فاتحة السورة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ) [النساء: 1]، وهي كالتخلص إلى قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) [النساء: 43]، كما كان قوله: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ) [النساء: 26] إلى قوله: (أَجْراً عَظِيماً) [النساء: 40] تخلصاً إلى قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [النساء: 29].
قوله: (وعن ابن مسعود: أنه قرأ سورة الساء)، روينا عن البخاري ومسلم، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ علي القرآن"، ثم ساق الحديث إلى قوله: (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً)، قال: "حسبك الآن"، فالتفت فإذا عيناه تذرفان، وفي رواية مسلم: قال صلى الله عليه وسلم: "شهيداً ما دمت فيهم "أو" كنت فيهم"، وهذا يدل على أن البكاء كان للإشفاق كما قال عيسى عليه السلام حين عوتب بقوله: (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) [المائدة: 116]: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ) [المائدة: 117].
وروي عن المصنف أن هذا كان بكاء فرح، لا بكاء جزع؛ لأنه تعالى جعل أمته شهداء على سائر الأمم، وقال الشاعر:
طفح السرور علي حتى إنه ... من فرط ما قد سرني أبكاني