(إَنَّما نُمْلِي لَهُمْ) «ما» هذه حقها أن تكتب متصلة؛ لأنها كافةٌ دون الأُولى، وهذه جملةٌ مستأنفةٌ تعليل للجُملة قَبلَها، كأنّه قيل: ما بالُهم لا يَحسَبون الإملاءَ خيراً لهم، فقيل: (إنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمً) ا. فإنْ قلتَ: كيفَ جازَ أنْ يكونَ ازديادُ الإثمِ غرضاً للَّه تعالى في إملائه لهم؟ قلتُ: هو علةٌ للإملاءِ، وما كلُّ علةٍ بغَرَض، ألا تَراكَ تقولُ: قعدتُ عن الغَزْوِ للعَجْزِ والفاقة، وخرجتُ من البلدِ لمخافةِ الشرِّ، وليسَ شيءٌ منها بغَرض لك. وإنّما هي عللٌ وأسباب، فكذلك ازديادُ الإثم جُعِلَ عِلةً للإمهالِ وسبباً فيه. فإن قلت: كيف يكونُ ازديادُ الإثم علةً للإمْلاء كما كانَ العَجز علةً للقُعودِ عن الحَرْب؟ قلتُ: لِما كانَ في عِلْمِ اللَّه المحيطِ بكلِّ شيء أنهم مُزدادُون إثمًا، فكأنَّ الإملاءَ وَقَع من أجلهِ وبسَبِبه على طَريقِ المَجاز

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كيف يكون ازدياد الإثم؟ ) أي: لا يجوز القياس؛ لأن العجز علة للقعود وسببه، وهو مقدم عليه، ولا كذلك ازدياد الإثم، فإنه مسبب عن الإملاء ومؤخر عنه.

قوله: (لما كان في علم الله المحيط) توجيهه: أنه قد سبق في علمه تعالى بأنهم مزدادون إثماً ولابد أن يقع الازدياد؛ لأن المعلوم تابع للعلم، وذلك الازدياد موقوف على حصول الإملاء والإمهال، والموقوف على الشيء لا يكون علة للشيء، فجعله علة مجازاً لما أن الموقوف على الشيء سبب حامل لتحصيل ذلك الشيء، فكأنه علة له، وهذا معنى قوله: "وكأن الإملاء وقع من أجله وبسببه"، والعجب من المصنف وركوبه المتعسف وتركه الجادة المستقيمة، أما يعلم أن ما يقتضيه علم الله تعالى لابد من وقوعه؟ الانتصاف: بنى سؤاله على أن الإثم الواقع منهم خلاف الإرادة، فأعمل الحيلة بجعله سبباً وليس غرضاً.

وقال القاضي: اللام في "ليزداد" عندنا: لام الإرادة، قال السجاوندي: إرادة زيادة الإثم جائزة عند أهل السنة، ولا يخلو عن حكمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015