(وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) كان أبو حنيفة رحمه اللَّه، يقول: هي أخوف آية في القرآن؛ حيث أوعد اللَّه المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه. وقد أمدّ ذلك بما أتبعه من تعليق رجاء المؤمنين لرحمته بتوفرهم على طاعته وطاعة رسوله. ومن تأمّل هذه الآية وأمثالها لم يحدث نفسه بالأطماع الفارغة والتمني على اللَّه تعالى، وفي ذكره تعالى «لعلّ» و «عسى» في نحو هذه المواضع ـ وإن قال الناس ما قالوا ـ ما لا يخفى على العارف الفطن من دقة مسلك التقوى، وصعوبة إصابة رضا اللَّه، وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (كان أبو حنيفة رحمه الله يقول: هي أخوف آية في القرآن)، يعني: كان من مقتضى الظاهر أن يقال: واتقوا النار التي أعدت لآكلي الربا، فوضع موضعه (لِلْكَافِرِينَ) تغليظاً على المؤمنين، أي: هذه الصفة مؤدية إلى الكفر لأنها مما لا يكتسي بها إلا الكافرون، أو تعريضاً بهم، أي: هذه الصفة من صفات الكافرين فلا تتصفوا بها.

قال القاضي في قوله: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ): تنبيه على أن النار بالذات معدة للكفار وبالعرض للعصاة.

قوله: (وقد أمد ذلك بما أتبعه) أي: أتبعه إياه، فحذف المفعول الثاني، وهو عائد إلى ذلك، يريد أن قوله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تتميم لذلك المعنى ومبالغة فيه؛ لأن (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ) مطلق صالح لكل ما يسمى طاعة، نحو: فلان يعطي ويمنع إما بإجراء المتعدي مجرى اللازم، وإما بحذف المفاعيل، أي: لم يقل في أي شيء أطاعوهما لئلا يقتصر على المذكور، وإليه الإشارة بقوله: "بتوفرهم على طاعته".

قوله: (وفي ذكره تعالى) خبر، والمبتدأ: "ما لا يخفى"، وقوله: "وإن قال الناس ما قالوا" اعتراض، وفي كلامه تعصب لمذهبه، فيقال: ما المانع عن حمل "لعل" على القطع مجازاً كما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015