ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) بعد قوله: (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) علم ما المراد بقوله: (مَنْ يَشَاءُ) يعني: (مَنْ يَشَاءُ) في الموضعين مطلق، قيد الأول بالتائبين والثاني بالظالمين.
وقلت: هذا لعمري تعويج عن المحجة، وتعريج عن المستقيم، وفسر للقرآن بالرأي، ومفسره داخل تحت وعيد قوله صلوات الله عليه: "من قال في كتاب الله برأيه، فأصاب، فقد أخطأ". أخرجه الترمذي وأبو داود.
والحق الذي لا محيد عنه: أن هذا معاتبة من الله لرسوله صلوات الله عليه على تعجيله في القول برفع الفلاح عن القوم يوم أحد، كما أن قوله: (إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا) معاتبة على أصحابه رضوان الله عليهم، وتعيير لهم بالفشل، ويدل على أن هذا معاتبة ما روينا أنه قال حين كسر رباعيته وشج في وجهه: "كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟ " أي: لن يفلحوا أبداً، فرد بقوله: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ)، كيف تستبعد الفلاح وبيد الله أزمة أمور ما في السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء؟ وليس لك من الأمر إلا التفويض والرضا بما قضى، فهؤلاء إن استوجبوا العذاب بما فعلوا بك فبمشيئة الله لا بمشيئتك، وإن استحقوا الغفران بأن يتوب عليهم فبإرادته سبحانه وتعالى لا بإرادتك، فقوله: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) تأكيد لقوله: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) وتذييل له، وقوله: (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) تقرير معنى التذييل على سبيل الاستئناف بإعادة صفة من استؤنف عنه الحديث، فالغفران والتعذيب عامان لا يخصصان. نعم، يدخل هؤلاء فيه دخولاً أولياً، وقوله: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تتميم مناد على أن جانب الرحمة راجح على جانب العذاب، وفي قوله: (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) تتميم لأمر التعذيب وإدماج لرجحان المغفرة، يعني: سبب التعذيب كونهم ظالمين، وإلا فالرحمة مقتضية للغفران، انظر إلى