وقوله: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ) و (لِما بَيْنَ يَدَيَّ) يأبى حمله عليها؟ قلت: هو من المضايق، وفيه وجهان: أحدهما أن يضمر له «وأرسلت» على إرادة القول تقديره: ونعلمه الكتاب والحكمة، ويقول أرسلت رسولا بأني قد جئتكم، ومصدقاً لما بين يدي.
والثاني أن الرسول والمصدّق فيهما معنى النطق، فكأنه قيل: وناطقاً بأني قد جئتكم، وناطقاً بأني أصدق ما بين يدي وقرأ اليزيدي: (ورسول) عطفاً على كلمة (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ، أصله: أرسلت بأني قد جئتكم، فحذف الجار وانتصب بالفعل، و (أَنِّي أَخْلُقُ) نصب بدل من (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ)، أو جرّ بدل من "آية"، أو رفع على: هي أنى أخلق لكم، وقرئ: (إني)، بالكسر على الاستئناف، أي: أقدر لكم شيئا مثل صورة الطير (فَأَنْفُخُ فِيهِ) الضمير للكاف، أي: في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير، (فَيَكُونُ طَيْراً): فيصير طيراً كسائر الطيور حياً طياراً، وقرأ عبد اللَّه: (فأنفخها) قال:
كَالْهَبْرَقِىِّ تَنَحَّى يَنْفُخُ الْفَحْمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي (وَجِيهاً)، (وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ) (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنْ الصَّالِحِينَ)؟ لأن قوله: (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) وقوله: (لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ) يأبى حملها عليها؛ لأن تلك المنصوبات واقعة في كلام الملائكة وبشارتها لها من الله، وهما حكاية قول عيسى عليه السلام؟ وتحرير الجواب المذكور ما قاله القاضي: (وَرَسُولاً) (وَمُصَدِّقاً) منصوبان بمضمر على إرادة القول، تقديره: ويقول: أرسلت رسولاً بأني قد جئتكم، أو بالعطف على الأحوال المتقدمة مضمناً معنى النطق، فكأنه قال: وناطقاً بأني قد جئتكم.
قوله: (كالهبرقي تنحى ينفخ الفحما) صدره:
مولي الريح قرنيه وجبهته
ويروى: روقيه وكلكله. والروق: القرن، والكلكل: الصدر، والهبرقي، بكسر الهاء: الحداد،