وكذلك "عيسى" معرب من أيشوع، ومشتقهما من المسح والعيس، كالراقم في الماء! فإن قلت: (إِذْ قالَتِ) بم يتعلق؟ قلت: هو بدل من (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ) [آل عمران: 42] ويجوز أن يبدل من (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) على أن الاختصام والبشارة وقعا في زمان واسع، كما تقول: لقيته سنة كذا. فإن قلت: لم قيل: (عيسى ابن مريم) والخطاب لمريم؟
قلت: لأنّ الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فأعلمت بنسبته إليها أنه يولد من غير أب فلا ينسب إلا إلى أمه، وبذلك فضلت واصطفيت على نساء العالمين. فإن قلت: لم ذكر ضمير الكلمة؟ قلت: لأن المسمى بها مذكر. فإن قلت: لم قيل: (اسمه المسيح عيسى ابن مريم)؟ ، وهذه ثلاثة أشياء؛ الاسم منها عيسى، وأما المسيح والابن فلقب وصفة؟ ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: (ومشتقهما)، وهو اسم فاعل من الاشتقاق، أي: الذي يشتقهما، وهو مبتدأ، والخبر: "كالراقم"، أي: لا شيء معه، أي: لا طائل تحته.
قوله: (والعيس)، الجوهري: العيس، بالكسر: الإبل البيض يخالط بياضها شيء من الشقرة. وهذا المجاز، نحو إطلاقهم المرسن على أنف الإنسان.
قوله: (في زمان واسع) أي: الزمان الذي وقع فيه الاختصام زمان البشارة، كلاهما على طريق لقيته سنة كذا، مع أنه لم يلقه إلا في جزء من أجزاء السنة، فيكون قوله: (إِذْ يَخْتَصِمُونَ) إشارة إلى جميع ذلك الزمان، وكذا (إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ)، ويجوز أن يكون بدل اشتمال عن قوله تعالى: (إِذْ قَالَتْ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ) نحو قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ) [مريم: 16].
قوله: (وهذه ثلاثة أشياء؛ الاسم منها عيسى، وأما المسيح والابن فلقب وصفة)، الانتصاف: أراد بهذا السؤال هو أن المسيح إن أريد به التسمية فما موقع قوله: (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)؟ والتسمية لا توصف بالبنوة، وإن أريد المسمى لم يلتئم مع قوله: (اسْمُهُ)!