على معنى: يبين لكم الآيات في أمر الدارين، وفيما يتعلق بهما لعلكم تتفكرون. لما نزلت (إِنَّ الَّذِينَ يَاكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) [النساء: 10] اعتزلوا اليتامى وتحاموهم، وتركوا مخالطتهم والقيام بأموالهم والاهتمام بمصالحهم، فشق ذلك عليهم، وكاد يوقعهم في الحرج، فقيل: (إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ) أي: مداخلتهم على وجه الإصلاح لهم ولأموالهم خير من مجانبتهم. (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) وتعاشروهم ولم تجانبوهم فهم فَإِخْوانُكُمْ في الدين ومن حق الأخ أن يخالط أخاه. وقد حملت المخالطة على المصاهرة. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) أي: لا يخفى على اللَّه من داخلهم بإفساد وإصلاح فيجازيه على حسب مداخلته فاحذروه، ولا تتحروا غير الإصلاح ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالمعنى ما قال: "لتتفكروا في عقاب الإثم في الآخرة والنفع في الدنيا" إلى آخره، وعلى أن يتعلق بقوله: (يُبَيِّنَ) يكون قوله: (تَتَفَكَّرُونَ) عاماً فيما يتفكر فيه أو مطلقاً، ويكون المشار إليه بـ (كَذَلِكَ) جميع ما سبق من أول السورة، أو جميع ما بين في التنزيل، والمعنى: مثل هذا البيان المذكور في كل ما تأتون وتذرون يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة، لعلكم تتفكرون في جميع ذلك، أو تكونون من أهلا لتفكر ومن زمرة المتدبرين. وقال صاحب "المرشد": واختلفوا في ناصب (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، منهم من قال: إنه منتصب بـ (تَتَفَكَّرُونَ)، ومنهم من قال: منتصب بـ (يُبَيِّنُ اللَّهُ)، والوجهان بعيدان، فلا يوقف على قوله (تَتَفَكَّرُونَ) لئلا يلزم الفصل بين العامل والمعمول، والوقف التام عند قوله: (فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ).
قوله: (وقد حملت المخالطة على المصاهرة)، النهاية: الصهر: ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج. قال الزجاج: كانوا يظلمون اليتامى فيتزوجون منهم العشر، ويأكلون أموالَهم مع أموالِهم، فشدد عليهم في أمر اليتامى تشديداً خافوا معه التزوج بنساء اليتامى ومخالطتهم،