ومن كان معه في السفينة (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) يريد الجنس، أو مع كل واحدٍ منهم كتابه ......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)، وكان صلوات الله عليه يرجو رفع الاختلاف عند بعثته، فلما اختلفوا أشتاتاً بأن نجم قرن النفاق، واختلف اليهود في التحريف والتبديل، ودخل في خلده من ذلك الاضطراب، سلي بقوله: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً) يعني: هون على نفسك فإن مثل هذا الاختلاف غير مختص بزمانك، فإن الأمم المتقادمة من لدن آدم إلى عهدك، هذا كان دأبهم وعاداتهم مع الأنبياء، فعليك بأصحابك المهديين وقل لهم أن يتأسوا بك فيما أنت والأمم المؤمنة السالفة عليه من الصبر على البلاء والمحن كما قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَاتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة: 214] الآية، وإليه الإشارة بقوله: (ولما ذكر ما كانت عليه الأمم من الاختلاف) إلى آخره، انظر كيف طابق هذا المعنى ما رويناه من الحديث من أوله إلى آخره، ثم الفاء التعقيبية في قوله: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا) آذنت بأن المؤمنين أيضاً كانوا داخلين في حكم الاختلاف، لكن الله تداركهم بلطفه الشامل واستخلصهم لنفسه وترك أولئك الضلال في عنادهم، يدل عليه قوله: (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وإليه ينظر قوله صلوات الله عليه: "وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم؛ عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب"، والمراد بأهل الكتاب: أهل الحق منهم.
قوله: ((الْكِتَابِ)، يريد الجنس، أو مع كل واحد منهم كتابه)، قال القاضي: "الكتاب" يريد به الجنس ولا يريد به أنه أنزل مع كل واحد كتابه، فإن أكثرهم لم يكن لهم كتاب يخصهم، وإنما كانوا يأخذون بكتب من قبلهم.
وقلت: هذا الثاني أيضاً صحيح؛ لأن قوله: (النَّبِيِّينَ) عام، فخص لتقييده بقوله: (وَأَنزَلَ مَعَهُمْ الْكِتَابَ) بالمشهورين الذين أنزل معهم الكتاب، كقوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة: 228].