تواثبوا عليهم وأمسكوهم وسحبوهم إلى البطليوس لعنه الله فلما رآهم وبخهم توبيخا عظيما وقال ائتوني بالسياط ونصب أخذودا من حديد ثم ضربهم ضربا شديدا وأتى بالنار وأحرق جميع أموالهم وأمر باحضار البطريق فأحضر بين يديه فأخذه ومضى إلى القصر هو وجميع أعوانه واستدعى بالخشب وصلبهم على أعلى السور وأقاموا هناك يوما وليلة ثم أمر بضرب رقابهم وطرح رؤوسهم للمسلمين قال الأمير عياض للأمير خالد هؤلاء أهل ذمتنا وقد قتلهم البطليوس لعنه الله.
قال الراوي: وأما الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه قلق على المسلمين قلقا شديدا فأرسل كتابا إلى عمرو بن العاص يقول فيه ما سبب انقطاع كتبك عني وأنا في قلق على المسلمين وعلى خالد ومن معه واعلم إنك لا ترسل لي إلا بالفتح والغنائم وإن احتاج خالد إلى نجدة فأرسل إلى أبي عبيدة فقد كاتبته بأن يرسل له جنودا من الشام والسلام فلما وصل الكتاب إلى عمرو أرسله إلى خالد فقال خالد: لا نطلب النجدة والمعونة إلا من الله تعالى ثم أن خالدا عظم عليه الأمر واشتد الحصار وكان كل يوم يرجع إلى المدينة ويقاتل قتالا شديدا وفقد من المسلمين جماعة كثيرة قتلوا بالحجارة والنشاب وهجم عدو الله على المسلمين وكادهم مرارا وقال خالد للأمير عياض وللمسلمين: لا شك أن لاصحابنا عيونا وجواسيس ثم أن خالدا ركب ومعه الفضل بن العباس والمقداد وزياد بن أبي سفيان وعياض وطافوا حول العسكر وإذا برجل من العرب المتنصرة جالس على قطيفة خارج العسكر فأنكر أمره خالد وقال له: من أي العرب أنت فسكت فقالب له الأمير عياض انطق بالحق من لك من الاهل ههنا فسكت فقال له: خذ الماء وتوضأ فلم يحسن ذلك فقال له: صل فلم يحسن ذلك فضربوه فأقر بأنهم خرجوا ثلثمائة من باب السر وردوا وبقي هو فضرب عنقة وانقطعت الجواسيس فكانوا يقاتلون قتالا شديدا وكان لخالد عبد في خيمته اسمه فلاح يصنع له كل يوم قرصين من شعير واحد له وواحد للعبد فقعد خالد ثلاثة أيام يأتي السفرة فلا يجد فيها شيئا ولم يكلم العبد وكان عنده بعض تمر يتقوت به حتى فرغ فعندها قال خالد للعبد: يا ولدي قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} [الانبياء: من الآية8] ولك ثلاثة أيام لم تصنع فيها قرص شعير.
قال: يا سيدي ما قطعت عنك ذلك ولكن أصنع لك كل يوم وأعلقه في طبق الخيمة فلم أجده قال خالد: أن لهذا شأنا عظيما ثم قال للعبد قف خلف الخيمة وأخف نفسك وانظر من يفعل هذا فلما كان الغد ركب خالد للقتال وصنع العبد القرصين وأكل قرصا ووضع قرص سيده فكان معتادا أن يشيله له فجاء كلب أسود عظيم من جهة البلد ودخل الخيمة وأخذ القرص في فمه ومضى فتبعه العبد حتى أتى إلى سرب يخرج