قال الواقدي: ونظر أبو عبيدة إلى جيش أنطاكية وقد تحصنوا فيها وهم لا يحصون فقال اللهم اجعل لنا إلى فتحها من سبيل وافتح لنا فتحا مبينا قال: وكان على انطاكية بطريق اسمه صليب بن مرقس وكان جاهلا في رايه فعزم على القتال من داخل السور فاجتمع أكابر البلد إلى البترك في الليل وقالوا له: اخرج إلى هؤلاء العرب وصالح بيننا وبينهم على ما تقدر عليه قال فخرج البترك إلى أبي عبيدة وحدثه في الصلح فأجابه إلى ذلك فكان جملة ما صالح عليه أهل انطاكية ثلثمائة ألف مثقال من الذهب فلما تقرر الصلح قال له أبو عبيدة: احلف لنا إنكم لا تغدرون بنا فإن مدينتكم مانعة كثيرة الجبال والوعر فقال خالد: ومن يحلفه فقال أبو عبيدة: يوقنا قال فوضع يوقنا يده على راس البترك فوق يده وقال قل: والله والله والله أربعين مرة وإلا قطعت زناري وكسرت صليبي ولعنتني الشمامسة والديرانيون وخلعت دين النصرانية وذبحت الجمل في جرن ماء المعمودية ونجستها ببول مولود من أولاد إليهود وقتلت كل الشهود وإلا خرقت شدائد مريم وعصبت رأسي وإلا ذبحت القسوس وصبغت بدمائهم ثوب عروس وإلا جعلت مريم زانية به وإلا جعلت في المذبح حيضة يهودية وإلا أطفأت قنايل بيعه جرجيس وجعلت عزيرا في مقام كالوس وإلا تزوجت يهودية طامثة لا تلقي ابدا وإلا غسلت أثوابي صبيحة يوم الجمعة وهدمت الكنائس والبيع وأحللت الأعياد والجمع وإلا عبدت اللاهوت وجحدت الناسوت وإلا أكلت لحم الجمل يوم الشعانين وإلا صمت رمضان عاطشا وكنت للحم الرهبان ناهشا وإلا صليت في ثياب إليهود وقلت: إن عيسى دباغ الجلود اننا لا نغدر بكم ولا كنا إلا معكم.
قال الواقدي: فعندها قام أبو عبيدة ودخل انطاكية وكان دخوله لخمسة أيام مضين من شعبان سنة سبع عشرة من الهجرة فدخله وبين يديه اللواء الذي عقده له أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعن يمينه خالد بن الوليد وعن يساره ميسرة بن مسروق ودخلها والقراء بين يديه يقرأون سورة الفتح فلن يزل سائرا حتى وصل إلى باب الجنان فنزل هناك وخط هناك مسجدا وأمر ببنائه وبه يعرف إلى يومنا هذا قال ميسرة بن مسروق فنظرنا إلى بلد رطب طيب الهواء كثير الماء والخيرات فاستطابه المسلمون ووددنا لو أقمنا فيه شهر لنستريح فما تركنا أبو عبيدة فيه غير ثلاثة ايام ثم إنه كتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه سلام عليك وإني أحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو واصلي على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأشكره على ما فتح علينا ورزقنا من الغنيمة والنصر وأعلمك يا أمير المؤمنين أن الله عز وجل قد فتح على المسلمين كرسي النصرانية مدينة انطاكية وكسر الله عسكرها ونصرنا الله عليهم وهرب هرقل في البحر وإني لم أقم بها لطيب هوائها وإني خشيت على المسلمين أن يغلب حب الدنيا على قلوبهم فيقطعهم عن طاعة ربهم وإني معول على المسير إلى حلب وإني منتظر أمرك فإن أمرتني أن اسير إلى داخل