واصطفوا وقدموا همم النفوس في رضا الملك القدوس واستبقوا وزاحموا بعضهم بعضا ولم يرفقوا نودوا من صفاء اسرارهم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا} [الأحزاب: 23] .
قال الواقدي: رحمه الله حدثني زيد بن اسماعيل الصائغ عن جعفر بن عون عن عياش ابن ابان عن جابر بن أوس قال كنت حاضرا في مصاف أبي عبيدة على انطاكية حين وعظنا بسجعه ربيعة بن معمر فكان أول من خرج من الروم للبراز شجاع الروم نسطاروس بن روبيل وهو كأنه برج من حديد فلما توسط الميدان طلب البراز فخرج إليه دامس أبو الهول مولى بني طريف فاتح قلعة حلب وهو يومئذ فارس غطريف فحملا على بعضهما فلما اشتعلت نار الحرب بينهما عثر جواد دامس فسقط على ظهره فانقض عليه نسطاروس وأخذه أسيرا وقاده ذليلا ورجع إلى الميدان فخرج عليه الضحاك بن حسان الطائي وكان يشبه خالدا في حملاته وخفته فلما برز قال قائل من الروم ممن شاهد قتال خالد في المواطن وعرفه هذا فارس الشام والمسلمين الذي فتح بلادنا فصار كل من في انطاكية ينظر إليه وهم يظنون إنه خالد فازدحمت خيل المشركين من كثرة النظر إليه فقطعت حبال السرادقات التي لنسطاروس وغيروا سريره فخاف الغلمان على أنفسهم وسرادقاته على ذلك وإذا رآها على تلك الحالة قتلهم ولم يجدوا أحدا يعينهم على رفع السرادق لأن كل من في العسكر مشغول بالفرجة على نسطاروس مع خصمه فاتفق اثنان من الفراشين وكانوا ثلاثة على حل دامس أبي الهول وقالوا له: نحن نحلك من وثاقك وتعيننا على شيل عمود هذا السرادق ونعيدك إلى الوثاق فإذا جاء البطريق نشفع فيك فإنه يخلي سبيلك فقال: نعم فحلوه من وثاقه فعندها قبض على الاثنين كل واحد بيد وضرب واحد بواحد فصرعهما فماتا فهجم على الثالث فقتله وفتح صندوقا من الصناديق فوجد فيه ثياب نسطاروس فلبسها وركب من الطوالة جوادا من خيارها وأخذ بيده قنطارية وسيفا ولثم وجهه وقصد عسكر المتنصرة ووقف إلى جانب حازم بن عبد يغوث وهو ابن عم جبلة وكان قدمه على عسكر المنتصرة وجبلة وولده وبنو عمه في موكب الملك.
قال الواقدي: ولم يزل القتال بين نسطاروس والضحاك بن حسان إلى أن كل الجوادان ولم يقدر أحد منهما على صاحبه فافترقا وعاد نسطاروس إلى سرادقاته ليستريح فوجد السرادق على الأرض والفراشين قتلى ولم ير دامسا فعلم أن المصيبة من قبله فمضى إلى الملك وأعلمه بذلك فقال: وحق المسيح ما هؤلاء العرب إلا شياطين قال: وهرج العسكر بصنع أبي الهول فقال الملك هو الآن في عسكرنا وما رأيناه خرج وما هو إلا مختف في عسكر المتنصرة لأنه من جنسهم فلما رأى دامس هرج عسكر الروم وأن ذلك بسببه انتضى سيفه على حين غفلة وضرب به حازم بن عبد يغوث فرمى