تتعرض لأحد ليبقى بها وجهك عليك، ولك عليّ ألا تحتاج ما عشت إلى شيء من أمر دنياك، كبير ولا صغير، على حسب حكمك وشهوتك.
قال: ثم أجرى لي الجرايات والأرزاق السنية، وتابع جوائزه فما احتجت منذ ذلك وإلى الآن إلى غير جوائزه والسبعة آلاف، فأنا أنفق من جميع ذلك ولا أخلق نفسي بالتعرض، وأترحم عليه.
كان البلاذري في طليعة العلماء والأدباء، ينظم الشعر الحسن، ويصوغ البيان الدقيق، يتصف بالشجاعة والزهد والصفاء، وصفه التاريخ بالأديب الزاهد المنقطع النظير، قال عنه الشافعي في تاريخ دمشق: قال أحمد بن جابر البلاذري قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى ذلك ذكره، ويزول عنك إثمه، فقلت:
استعدي يا نفسي للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد
قد تثبت أنه ليس للحي خلود ... ولا من الموت بد
إنما أنت مستعيره ما سو ... ف تردين، والعواري ترد
أنت تسهين والحوادث لا تسهو ... وتلهين، والمنايا تجد
لا ترجى البقاء في معدن المو ... ت، ودار حقوقها لك ورد
أي ملك في الأرض أم أي حظ ... لامرئ حظه من الأرض لحد
كيف تهوى امرؤ لداره رأيا ... ما عليه الأنفاس فيها تعد
ومن شعره:
لما رأيتك زاهيا ... ورأيتني أجفى ببابك
عديت رأس مصليتي ... وحجبت نفسي عن حجابك
ظل البلاذري في عطاء مستمر، وإنتاج ضخم، حتى توفاه الله سنة