قَالُوا: لما أتى خَالِد بْن الوليد كتاب أَبِي بكر وهو بالحيرة خلف المثنى ابن حارثة الشيباني عَلَى ناحية الكوفة، وسار في شهر ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة في ثمانمائة، ويقال في ستمائة، ويقال في خمسمائة، فأتى عين التمر ففتحها عنوة، ويقال. إن كتاب أَبِي بكر وافاه وهو بعين التمر وقد فتحها، فسار خَالِد من عين التمر فأتى صندوداء وبها قوم من كندة وإباد والعجم، فقاتله أهلها وخلف بها سَعْد بْن عَمْرو بْن حرام الأنصاري فولده اليوم بها، وبلغ خالدا أن جمعا لبني تغلب بْن وائل بالمضيح والحصيد مرتدين عليهم ربيعة بْن بجير فأتاهم فقاتلوه فهزمهم وسبى وغنم وبعث بالسبي إِلَى أَبِي بكر، فكانت منهم أم حبيب الصهباء بنت حبيب بْن بجير، وهي أم عُمَر بن على ابن أَبِي طالب، ثُمَّ أغار خَالِد عَلَى قراقر وهو ماء لكلب ثُمَّ فوز منه إِلَى سوى وهو ماء لكلب أيضًا ومعهم فيه قوم من بهراء فقتل حرقوص بْن النعمان البهراني من قضاعة واكتسح أموالهم وكان خَالِد لما ركب المفازة عمد إِلَى الرواحل فأرواها منَ الماء ثُمَّ قطع مشافرها وأجرها لئلا تجتر فتعطش ثُمَّ استكثر منَ الماء وحمله معه فنفد في طريقه فجعل ينحر تلك الرواحل راحلة راحلة ويشرب وأصحابه الماء من أكراشها، وكان له دليل يقال له. رافع بْن عمير الطائي ففيه يقول الشاعر.
لله در نافع إنى اهتدى ... فوز من قراقر إِلَى سوى
ماء إذا ما رامه الجيش انثنى ... ما جازها قبلك من أَنَس يرى
وكان المسلمون لما انتهوا إِلَى سوى وجدوا حرقوصا وجماعة معه يشربون ويتغنون وحرقوص يقول:
ألا عللاني قبل جيش أَبِي بكر ... لعل منايانا قريب ولا ندري