ثم لما بين لك حقيقة المفعول المطلق بين حكمه فقال: [وَانْتِصَابُهُ] أي المصدر الذي يجيء ثالثاً في تصريف الفعل، [بَدَا] بمعنى ظهر، وانتصابه قد يكون بمثله وهو المصدر، لأن المصدر يعمل في المصدر بشرطه، فالمفعول المطلق قد يعمل فيه مصدرٌ فلا مانع أن يُنصب المصدر بمصدرٍ تقول: عجبت من ضربك زيداً ضرباً شديداً، زيداً مفعول به والعامل فيه المصدر ضربك، وضرباً مفعول مطلق لضربك، فضرب مصدر قد عمل في المفعول المطلق وهو مبين للنوع، إذاً قد ينصب المفعول المطلق بالمصدر. وقد ينصب المفعول المطلق بالفعل، نحو: ضربت زيداً ضرباً، زيداً مفعولٌ به، وضربا هو المفعول المطلق جاء ثالثا في تصريف الفعل، لأنك تقول: ضرب يضرب ضرباً، فحينئذٍ جيء بالمصدر فسُلِّط عليه عامل وهو فعل في هذا التركيب، فانتصب على أنه مفعول مطلق، فقيل: ضربت زيداً ضرباً، ضرباً هذا هو المفعول المطلق وقد عمل فيه الفعل. وقد ينصب المفعول المطلق بالوصف، نحو: أنا ضاربٌ زيداً ضرباً، فضرباً مفعول مطلق، والعامل فيه الوصف، [وَانْتِصَابُهُ بَدَا] يعني نصب هذا المصدر على أنه مفعول مطلق بدا وظهر إما بمصدر مثله، أو بفعلٍ، أو بوصفٍ.
وَهْوَ لَدَى كُلِّ فَتًَى نَحْوِيِّ ... مَا بَيْنَ لَفْظِيٍّ وَمَعْنَوِيِّ
فَذَاكَ مَا وَافَقَ لَفْظَ فِعْلِهِ ... كَزُرْتُهُ زِيَارَةً لِفَضْلِهِ
[وَهْوَ] أي المصدر المنصوب على المفعولية المطلقة، [لَدَى] أي عند [كُلِّ فَتًَى] التنوين للتعظيم، [نَحْوِيِّ] نسبة إلى فن النحو، لكن قوله: [لَدَى كُلِّ فَتًَى نَحْوِيِّ] من إطلاق الكل وإرادة الجزء، يعني من العام الذي أريد به الخصوص وإلا فليس مجمعاً عليه، [مَا بَيْنَ] قسمين اثنين لا ثالث لهما [لَفْظِيٍّ وَمَعْنَوِيِّ] يعني المفعول المطلق