هذه المذكورات تعد مما له صدر الكلام، يعني لا تقع إلا في أول الكلام، فإذا وقعت بعد أفعال القلوب أبطلت عملها في اللفظ، وبقي عملها في المحل، وهي:

ما النافية، وإن النافية، ولا النافية، ولام الابتداء، ولام القسم، وهمزة الاستفهام.

والدليل على أنها عملت في المحل لا في اللفظ، قول الشاعر:

وَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبْلَ عَزَّةَ مَا البُكَى ... وَلاَ مُوجِعَاتِ القَلْبِ حَتَّى تَوَلَّتِ

والذي ينبني عليه أنك إذا عطفت عليه يجوز أن تعطف عليه بالنصب مراعاة للمحل، فإذا قلت: علمت لزيدٌ قائمٌ وعمراً منطلقاً، يجوز العطف بالنصب، ويجوز وعمروٌ منطلق بالرفع، فلك أن تراعي اللفظ، ولك أن تراعي المحل. فحينئذ لما ظهر أثر المحل في العطف علمنا أن الفعل قد عمل في المحل.

وتقرير الدليل أن يقال: أدري من أفعال القلوب، ما البكى ما استفهامية، وما البكى مبتدأ وخبر، فوقع المبتدأ استفهاماً، وهو مما له صدر الكلام، ثم قال: ولا موجعاتِ هذا معطوف على قوله: ما البكى، وموجعاتِ منصوب، وعلامة نصبه الكسرة نيابة عن الفتحة، لأنه جمع مؤنث سالم، وهو معطوف على محل جملة ما البكى، والعامل في محل ما البكى هو العامل في موجعاتِ. إذًا لما عطف على محل ما البكى بالنصب علمنا أن أدري قد عُلِّق عن العمل في لفظ المفعولين، ولم يعلق عن العمل في المحل؛ ولذلك سمي تعليقاً، قيل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015