وأما التعليق فهو: إبطال عملها لفظاً لا محلاً، يعني في اللفظ لا تنصب، وإنما يكون النصب في المحل، وذلك فيما إذا توسط بين العامل والمعمول ماله حق الصدارة في الكلام، لأن بعض الحروف والأسماء لها الصدارة في الكلام، فلا يتقدم عليها شيء أبداً، كالاستفهام، ولام الابتداء، وما النافية، وإن النافية كما سيأتي، فهذه لها صدر الكلام فإذا وقعت بين العامل والمعمولين ألغي العمل في اللفظ، وبقي العمل في المحل، وهذا هو حقيقة التعليق إبطال عملها لفظاً لا محلا. إذاً التعليق ليس كالإلغاء، الإلغاء عدم العمل مطلقاً، لا في اللفظ ولا في المحل، وهنا عدم العمل في اللفظ فقط، وأما في المحل فهي عاملة النصب؛ وذلك لاعتراض ماله صدر الكلام بينها وبين معموليها، والمراد بما له صدر الكلام هو ما النافية، نحو: ظننت ما زيدٌ قائمٌ الأصل ظننت زيداً قائماً، فلما توسط بين العامل والمعمولين ما النافية وهي لها صدر الكلام لم يستطع العامل أن يؤثر في لفظ المعمولين، فلم يستطع أن يتجاوز ما النافية فينصب المبتدأ على أنه مفعول أول، وينصب الخبر على أنه مفعول ثان لفظًا، وإنما عمل في المحل دون اللفظ، لكون ما النافية لها صدر الكلام، وإعراب ظننت ما زيدٌ قائمٌ، ظننت فعل وفاعل، وما حرف نفي، وزيد قائم: مبتدأ وخبر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب مفعولي ظننت، فأثر العامل في المحل، ولم يؤثر في اللفظ، لأنه وجد أمامه عَقَبَةً لم يستطع أن يتجاوزها، وإنما استطاع أن يتسلل إلى المحل فقط. ومنه قوله تعالى: (لقد عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ (65)