تأتي بمعنى الظن نحو قوله تعالى: ((* إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6))) [المعارج:6] قيل: يظنونه بعيداً. ((* وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7))) [المعارج:7] هذه بمعنى اليقين، أي نعلمه قريباً، إذاً اجتمعت في الآيتين (رأى) بمعنى اليقين، ورأى بمعنى الظن.
[حَسِبْتُ] أي وحسبت على حذف حرف العطف، وحسب الأصل فيها أنها تدل على الرجحان كظن، ومنه ((لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ (11))) [النور:11] تحسبوه الضمير مفعول أول، وشرا مفعول ثان أي لا تظنونه شرا لكم. وتقول: حسبت زيداً تقياً، أي أدركت تقوى زيدٍ إدراكاً راجحاً، وهذا من باب الحسبان، وهو الرجحان وقد تأتي بمعنى اليقين، ومنه قول الشاعر:
حَسِبْتُ التُّقَى وَالجُودَ خَيْرَ تِجَارَةٍ ... رَبَاحًا إِذَا مَا المَرْءُ أَصْبَحَ ثَاقِلاَ
حسبت التقى أي أيقنت أن التقوى والجود خير تجارة. وهذا مما لا شك فيه.
[وَجَعَلْتُ] جعلَ تأتي بمعنى اعتقد، ومنه (وجعلوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا (19))) [الزخرف:19] وجعلوا الواو فاعل، والملائكة منصوب على أنه مفعول أول، وإناثاً مفعول ثان، يعني اعتقدوا أن الملائكة إناثاً. وقد تأتي جعل بمعنى صيّر، فتكون من أفعال التحويل، ومنه قوله تعالى: (فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان:23] أي صيّرناه هباءً منثوراً. فحينئذ جعل تضم إلى أفعال التحويل والتصيير، وإن كان الأصل فيها أنها من أفعال القلوب.