الرجلين في الغسل، وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الأفضل إكمال الوضوء أولا إن كان الاغتسال في محل لا يجتمع فيه الماء وتأخير غسل القدمين إن كان يغتسل في نحو طست. وعن مالك: إن كان المكان غير نظيف فالمستحب تأخير غسلهما، وإلا فالتقديم، وعند الشافعية قولان في الأفضل، أصحهما وأشهرهما أنه يكمل وضوءه. والله أعلم.
4 - المضمضة والاستنشاق في وضوء الغسل: جاء في ملحق الرواية الثالثة ذكر المضمضة والاستنشاق في وضوء الغسل، وقد سبق لنا بيان حكم المضمضة والاستنشاق بالتفصيل في باب صفة الوضوء وكماله، وقلنا: إن العلماء اختلفوا في حكم المضمضة والاستنشاق على أربعة مذاهب:
أحدها: مذهب مالك والشافعي وأصحابهما أنهما سنتان في الوضوء والغسل، رواية عن عطاء وأحمد، أما أنهما سنتان في الوضوء فللآية الكريمة: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} [المائدة: 6] وليس فيها ذكر المضمضة والاستنشاق وأما أنهما سنتان في الغسل فلأنهما من توابع الوضوء، فإذا سقط الوضوء سقط توابعه، وقد قام الإجماع -كما سبق- على أن الوضوء في غسل الجنابة غير واجب.
ثانيها: أنهما واجبتان في الوضوء والغسل، لا يصحان إلا بهما، وهو المشهور عن أحمد بن حنبل، واستدل له بورود الأمر بهما في الوضوء، وظاهر الأمر أنه للوجوب، ولم يحك أحد ممن وصف وضوءه صلى الله عليه وسلم على الاستقصاء أنه ترك المضمضة والاستنشاق، فدل ذلك على المواظبة، وهي تدل على الوجوب، ورد بحمل الأمر بهما على الندب جمعا بين الأدلة، وبدليل أن الاستنثار مأمور به، وهو ليس بواجب باتفاق، وأما مداومته صلى الله عليه وسلم فكثيرا ما تكون في السنن، فلم يؤثر أنه صلى الله عليه وسلم ترك التسمية، ومع ذلك هي سنة عند القائل بوجوب المضمضة.
المذهب الثالث: أنهما واجبتان في الغسل دون الوضوء، وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن تحت كل شعرة جنابة، فاغسلوا الشعر، وأنقوا البشر" قال العيني: بهذا الحديث احتج أبو حنيفة على أن المضمضة والاستنشاق فرضان في الجنابة، أما الاستنشاق فلقوله صلى الله عليه وسلم: "إن تحت كل شعرة جنابة" وفي الأنف شعور، وأما المضمضة فلأن الفم من مظاهر البدن، بدليل أنه لا يقدح في الصوم [أي لا يفطر ما دخل فيه] فيطلق عليه ما يطلق على البدن، فلهذا الاعتبار فرضت المضمضة. اهـ.
المذهب الرابع: أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل، والمضمضة سنة فيهما وهو مذهب داود الظاهري، ورواية عن أحمد.
وقد أوضحنا في باب صفة الوضوء وكماله كيفية المضمضة والاستنشاق وكمالهما ومباحث أخرى تتعلق بهما، فمن أراد المزيد فليرجع إليه. والله أعلم.