وقال ابن دقيق العيد: المراد بالاستدلال به على قبول خبر الواحد مع كونه خبر واحد، أنه صورة من الصور التي تدل، وهي كثيرة، تقوم الحجة بجملتها، لا بفرد معين منها. اهـ.

والظاهر أن عليا كان حاضرا السؤال. كما قال الحافظ ابن حجر: فقد أطبق أصحاب المسانيد والأطراف على إيراد هذا الحديث في مسند علي، ولو حملوه على أنه لم يحضر لأوردوه في مسند المقداد، ويؤيده ما في رواية النسائي في هذا الحديث عن علي قال: "فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله فسأله".

بل يؤخذ من مجموع الروايات أن عليا أمر المقداد أن يسأل، وأمر عمارا أن يسأل وسأل بنفسه، فأحاديث الباب صريحة في سؤال المقداد، وفي سنن أبي داود "أن عليا أمر عمارا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يغسل مذاكيره ويتوضأ" وفي بعض رواياته عن علي "كنت رجلا مذاء، فأمرت عمار بن ياسر يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل ابنته عندي"، وفي رواية ابن حبان عن علي قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " وجمع ابن حبان بين هذا الاختلاف بأن عليا أمر عمارا أن يسأل، ثم أمر المقداد بذلك، ثم سأل بنفسه. قال الحافظ ابن حجر: وهو جمع جيد. اهـ.

فعلى هذا الجمع لا يستدل بالحديث على الاعتماد على الخبر المظنون مع القدرة على المقطوع، ولا على قبول خبر الواحد، لكن هذا الجمع عندي مستبعد، لأن سؤال أحدهم بعد علمه بسؤال الآخر غير مستساغ، خصوصا مع رواية النسائي "فقلت لرجل جالس إلى جنبي: سله. فسأله" والأولى في الجمع أن نقول: إن عليا طلب من المقداد ومن عمار أن يسألا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تذاكروا المذي، ولما اجتمعوا ثلاثتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم طلب منهما أن يسأل أحدهما، فسأل المقداد، فنسب إليه السؤال على الحقيقة، ونسب إلى عمار وعلي سبيل المجاز، باعتبار قصد عمار وموافقته، وباعتبار كون علي الآمر. والله أعلم.

11 - استدل بالحديث على أن القضايا تتعدى صاحبها إلى من هذه صفته لأن المقداد سأل عن نفسه، وأجيب بقوله صلى الله عليه وسلم: "توضأ واغسل ذكرك" كما في رواية البخاري، أو "توضأ وانضح فرجك" كما في روايتنا الثالثة، أو سأل عن طريق الإبهام كما في الرواية نفسها" فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به"؟ وعلى كل لم يرد أن المقداد سمى عليا في سؤاله، مما يجعل القضية لغيره، ويجعل عليا ممن يرى أن القضايا تتعدى صاحبها. وهو خلاف بين أهل الأصول.

12 - ويؤخذ من الحديث ما كان عليه الصحابة من حفظ حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره.

13 - وفيه استحباب حسن العشرة مع الأصهار، وترك ذكر ما يتعلق بالجماع ونحوه بحضرة أقارب الزوجة.

14 - وفيه ترك المواجهة لما يستحيا منه عرفا.

15 - وفيه استعمال الحياء مع عدم التفريط في العلم، فيجمع بذلك بين المصلحتين.

والله أعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015