(وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان) فسرها الزهري بالبول والغائط، وسيأتي لها مزيد إيضاح في فقه الحديث.
(إن كنت لأدخل البيت للحاجة) "إن" مخففة من الثقيلة، وتفيد التأكيد، والمراد من البيت بيتها، والمعنى: أثناء اعتكافي بالمسجد كنت أدخل بيتي لقضاء الحاجة، ولا أمكث فيه لئلا يبطل اعتكافي.
(والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة) أي وحينما يكون في بيتي مريض لا أقف عنده، وإنما أسأل عن صحته وأنا مارة، ثم أعود إلى المسجد لمتابعة الاعتكاف، وسيأتي في فقه الحديث مزيد إيضاح لاعتكاف عائشة.
(وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل على رأسه) "إن" مخففة من الثقيلة كذلك، وتفيد تأكيد الجملة أي وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إلخ.
(إذا كانوا معتكفين) أي هو وأصحابه صلى الله عليه وسلم.
(وهو مجاور) أي معتكف.
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ناوليني الخمرة من المسجد) "والخمرة" بضم الخاء وإسكان الميم، قال النووي: قال الهروي وغيره: هي السجادة، وهي ما يضع عليه الرجل جزء وجهه في سجوده من حصير، أو نسيجة من خوص، هكذا قاله الهروي والأكثرون، وصرح جماعة منهم بأنها لا تكون إلا هذا القدر. وقال الخطابي: هي السجادة يسجد فيها المصلي. وقد جاء في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فجاءت بها، فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، على الخمرة التي كان قاعدا عليها، فأحرقت منها مثل موضع درهم". فقوله: "قاعدا عليها" تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه، وسميت خمرة لأنها تخمر الوجه، أي تغطيه، وأصل التخمير التغطية، ومنه خمار المرأة، ومنه الخمر، لأنها تغطي العقل. اهـ.
قال القاضي عياض: وقولها "من المسجد" معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ذلك من المسجد، أي وهو في المسجد لتناوله إياها وتدخل يدها وهي خارج المسجد، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تخرجها له من المسجد، لأنه صلى الله عليه وسلم كان في المسجد معتكفا وكانت عائشة في حجرتها، وهي حائض، لقوله صلى الله عليه وسلم "إن حيضتك ليست في يدك" فإنها إنما خافت من إدخال يدها المسجد ولو كان أمرها بدخول المسجد لم يكن لتخصيص اليد معنى. اهـ. وهو كلام حسن، لكنه لم يبين هل كانت الخمرة في البيت ويراد مناولتها له صلى الله عليه وسلم؟ فيكون "من المسجد" متعلقا بقال، أي قال من المسجد: ناوليني الخمرة من البيت، أو كانت الخمرة في المسجد في متناول يد عائشة، بعيدة عن متناول يد الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فيكون "من المسجد" متعلقا بناوليني؟ وكون الخمرة في البيت أظهر، لما رواه النسائي عن ميمونة قالت "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع رأسه في حجر إحدانا، فيتلو