-[المعنى العام]-
كانت عائشة - زوج النبي صلى الله عليه وسلم- أما للمؤمنين بحق، إليها يلجأ المؤمنون عند شدائدهم، ويقصدونها في مشاكلهم، ويأوون إلى دارها في أسفارهم وكانت نعم الأم أعدت دارها لاستقبال الفقير والمسكين والسائل وابن السبيل أعدت دارا للضيافة ملحقة بدارها، وأسندت خدمة الضيوف والنازلين إلى جاريتها.
ونزل بساحتها عبد الله بن شهاب الخولاني، فبات ليله، فأصبح يذكر أنه رأى في منامه ما يرى النائم، رأى في منامه أنه مع امرأة يجامعها، وظن أنه بذلك نجس الفراش الذي نام عليه، فأخذ الفراش المكون من ثوبين وغمسهما كلهما في الماء، رأته جارية عائشة فأخبرت بذلك أم المؤمنين، فأسفت لما فعل، وقالت: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفركه بأصبعه، إن كان قد أمنى، فربما فركته من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصبعي. ثم أمرت خادمتها أن تدعوه إليها. فجاء، ومن وراء حجاب سلم على أم المؤمنين، فردت السلام، ثم قالت: ما حملك على ما صنعت بثوبيك؟ ولماذا غمستهما كلهما في الماء؟ قال: يا أم المؤمنين. رأيت ما يرى النائم في منامه، فأردت تطهير الثوبين. قالت له: هل رأيت فيهما بللا؟ قال: لا. قالت: لو كنت رأيت بللا لكفاك غسل مكان البلل دون غمس الثوب كله، ولو كنت رأيت يابسا لكفاك فركه بأصبعك، أما وقد اشتبه عليك الأمر، ولم تعرف إن كان قد أصاب الثوب شيء أو لم يصبه؟ ولم تعرف مكان الإصابة إن كان قد أصاب فقد كان يكفيك أن ترش المكان المشتبه فيه ببعض الماء، وأن تنضح المكان المظنون وحوله، طردا للوسوسة والشك وتثبيتا للاطمئنان، ولقد كنت أحك المني اليابس من ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأظافري، فيخرج بثوبه هذا، فيصلي فيه.
-[المباحث العربية]-
(أن رجلا نزل بعائشة) الظاهر أنه هو عبد الله بن شهاب الخولاني المصرح به في الرواية الرابعة، وفي الكلام حذف، أي نزل ضيفا ببيت عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها.
(فأصبح يغسل ثوبه) جملة "يغسل ثوبه" خبر "أصبح" والمراد من الثوب الجنس، بما يصدق على المثنى والجمع، للتوفيق بين ما هنا وبين الرواية الرابعة "ثوبي" بالتثنية.
(إنما يجزئك أن تغسل مكانه) الضمير في "مكانه" وفي "إن رأيته" يرجع إلى المفهوم من الفحوى والمقام، إذ لم يسبق له ذكر، والمراد به المني الناشئ عن رؤية ما يراه النائم، والمصدر المنسبك من "أن تغسل" فاعل "يجزئك" بضم الياء والهمز.
(فإن لم تر نضحت حوله) مفعول "ترى" محذوف، والمعنى فإن لم تحدد مكانه وتر آثاره نضحت مكانه تقديرا واجتهادا، وزدت على المكان شيئا.