"لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه" ويقول الحديث الثالث "لا تبل في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم تغتسل منه".

ولا يخفى أن للماء أحوالا أربعة:

1 - فقد يكون كثيرا جاريا، كماء النهر، أو ماء القناة الكبيرة [والمراد من الكثرة ما فوق القلتين وبالقليل ما دونهما] وهذه الحالة غير داخلة في منطوق أحاديثنا، لكن مفهومها يفيد أنه لا يحرم البول فيه، وإن كان الأولى اجتنابه، لأنه وإن لم ينجسه فإنه يجعل النفس تشمئز منه.

2 - وقد يكون قليلا جاريا، كماء القناة الضيفة القصيرة [والقلة باعتبار مجموع مائها من أصل الجري إلى منتهاه، وقيل: من محل سقوط النجاسة إلى منتهى الجري] وهذه الحالة غير داخلة في منطوق أحاديثنا كذلك، ومفهومها يفيد أنه لا يحرم البول فيه، لكن المختار أنه يحرم، لأنه يقذره وينجسه على المشهور من مذهب الشافعي وغيره.

3 - وقد يكون كثيرا راكدا، كماء البرك، والأحواض الكبيرة، وخزانات المياه، وهذه الحالة داخلة في منطوق أحاديثنا، ويشملها النهي عن البول فيه، وإن كان هذا الماء لا ينجس بالبول فيه، وعلى ذلك قال بعضهم: يكره لضعف الضرر المترتب عليه، والمختار عند المحققين أنه يحرم، لأن النهي يقتضي التحريم عند الأكثرين من أهل الأصول، وفيه من المعنى أنه يقذره، وربما أدى إلى تنجيسه بتكرار البول فيه.

4 - وقد يكون قليلا راكدا، كماء حوض صغير، أو منخفض قليل، والجمهور على أن هذه الحالة هي المقصودة بالأحاديث، والصواب المختار أن البول فيه حرام، لأنه ينجسه ويتلف ماليته، ويغر غيره باستعماله.

قال العلماء: والتغوط في الماء كالبول فيه وأقبح، وكذلك إذا بال في إناء ثم صبه في الماء. قال النووي: ولم يخالف في هذا أحد من العلماء، إلا ما حكي عن داود بن علي الظاهري من أن النهي مختص ببول الإنسان بنفسه، وأن الغائط ليس كالبول، وكذا إذا بال في إناء، ثم صبه في الماء، قال: وهذا الذي ذهب إليه خلاف إجماع العلماء، وهو أقبح ما نقل عنه في الجمود على الظاهر. اهـ.

وقال العلماء كذلك: يكره البول والتغوط بقرب الماء وإن لم يصل إليه لعموم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البراز في الموارد، ولما فيه من إيذاء المارين بالماء، ولما يخاف من وصوله إلى الماء، أما إذا غلب وصوله إلى الماء، أو وصول الماء عليه فإنه يأخذ حكم البول فيه، وتطبق عليه الأحوال الأربع السابقة.

ثانيا: وأما انغماس من لم يستنج في الماء، ليستنجي فيه، فإن كان كثيرا لا ينجس بوقوع النجاسة فيه وكان جاريا كالنهر، فلا بأس، وإن كان راكدا فالظاهر الكراهة. وأما إن كان قليلا، بحيث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015