على طهارة اليد، وطهارة الماء، وليس القصد طهارة الماء لصلاحيته للوضوء فقط، بل لصلاحيته كذلك للشرب، ولا شك أن غمس اليد في الإناء بعد القيام من النوم، وقبل غسلها ثلاث مرات، يجعله أمام النفوس الأبية ملوثا تعاف النفس شربه، وتشمئز من رؤية من يشربه.
وإذا كان حكم الإسلام غسل يدى المستيقظ من النوم قبل غمسها، كان نفس الحكم لمن شك في نجاسة يده بدون نوم من باب أولى. فلنغسل اليد بالصب عليها ثلاث مرات قبل إدخالها الإناء، ولنحمد الله على هذا التوجيه السديد، ولنستغفر الله عما بدر منا من مثل هذه الأخطاء، مؤمنين بقوله جل شأنه: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: 222].
-[المباحث العربية]-
(إذا استيقظ أحدكم من نومه) ظاهره عموم النوم بالليل أو النهار، لكن رواية أبي داود "إذا قام أحدكم من الليل".
(فلا يغمس يده) في الرواية الثانية "فليفرغ على يده ثلاث مرات قبل أن يدخل يده" والتعبير بالغمس أوضح، والمراد باليد هنا الكف دون ما زاد عليه.
(في الإناء) أي في ماء الوضوء الذي في الإناء، لأن إدخال اليد في الإناء دون أن تمس الماء لا شيء فيه، ورواية البخاري "في وضوئه".
(فإنه لا يدري أين باتت يده) أي من جسده، ففي رواية الدارقطني "أين باتت يده منه" وفي رواية "ولا علام وضعها" والمعنى لا يدري الموضع الذي باتت فيه يده.
-[فقه الحديث]-
الأمر بالغسل عند الجمهور محمول على الندب، وقال إسحاق وداود والطبري: إن الأمر بالغسل للوجوب، وحمله الإمام أحمد على الوجوب في نوم الليل دون نوم النهار.
وينبني على هذا أنه لو غمس يده لم يضر الماء عند من قال بالندب، وينجس الماء عند من قال بالوجوب، واستدل الجمهور بآخر الحديث، إذ فيه التعليل بأمر يقتضي الشك، والشك لا يقتضي وجوبا في هذا الحكم، استصحابا لأصل الطهارة، فيكون ذلك قرينة صارفة للأمر عن الوجوب، كما استدل أبو عوانة على عدم الوجوب بوضوئه صلى الله عليه وسلم، من الشن المعلق، بعد قيامه من النوم، وتعقب بأن قوله "أحدكم" يقتضي اختصاصه صلى الله عليه وسلم. وأجيب بأنه صح عنه غسل يديه قبل إدخالهما في الإناء حال اليقظة، فاستحبابه بعد النوم أولى، ويكون تركه لبيان الجواز. قاله الحافظ ابن حجر. وقال: وأيضا فقد قال هو في الحديث "فليغسلهما ثلاثا" والتقييد بالعدد في غير