المنع نقلها عن مالك وهم لأنه لم ينكر المسح، وإنما قال: أقام صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- بالمدينة حياتهم، ولم ير أحدكم مسح. اهـ.
هذا ما قيل عن الإمام مالك، ومنه يتبين أن المشهور من مذهبه -كما يقول النووي- هو مذهب الجمهور، والمعروف المستقر عن المالكية الآن قولان: الجواز مطلقا، والجواز للمسافر دون المقيم.
أما ما نسب إلى عائشة من أنها لم تر المسح، وأنها توقفت عن القول به وأحالت السائل إلى الإمام علي -كرم الله وجهه- فهو خطأ، فإن تحويل السائل معلل في الحديث بأنه أعلم منها في هذه المسألة لكثرة سفره مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأن كل ما عندها ضعف العلم أو عدم العلم على الأكثر، وهذا لا يثبت به نفي، خصوصا وقد أجاب علي -كرم الله وجهه- بالإثبات.
وما نسب إلى ابن عمر من أنه أنكر المسح على الخفين ثبت أنه رجع عنه، فقد روى أحمد والبخاري واللفظ لأحمد عن ابن عمر قال: "رأيت سعد بن أبي وقاص يمسح على خفيه بالعراق حين توضأ. فأنكرت ذلك عليه، فلما اجتمعنا عند عمر، قال لي سعد: سل أباك، فسألت عمر عن ذلك، فقال: نعم. إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فلا تسأل عنه غيره".
ومن هنا نقل ابن المنذر عن ابن المبارك أنه قال: ليس في المسح على الخفين عن الصحابة اختلاف، لأن كل من روى عنه منهم إنكاره فقد روى عنه إثباته.
وقال الحافظ ابن حجر: وقد صرح جمع من الحفاظ بأن المسح على الخفين متواتر، وجمع بعضهم رواته فجاوزوا الثمانين، منهم العشرة.
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة، وذكر أبو القاسم بن معدة أسماء من رواه في تذكرته فكانوا ثمانين صحابيا. اهـ.
وإذا كانت أحاديثنا -فيما عدا الأول- في المسح في السفر، فإن الحديث الأول نص في الموضوع، وفي المسح في الحضر، ولهذا يقول النووي: روينا في سنن البيهقي عن إبراهيم بن أدهم قال: ما سمعت في المسح على الخفين أحسن من حديث جرير، وعن أبي حنيفة "أخاف الكفر على من لم ير المسح على الخفين، لأن الآثار التي جاءت فيه في حيز التواتر" وقال العيني: لا ينكره إلا المبتدع الضال. والله أعلم.
وبعد أن ثبتت مشروعية المسح نرى العلماء يختلفون في الأفضل في الوضوء. هل المسح على الخفين أفضل؟ أو غسل الرجلين أفضل؟ فالشافعية والحنفية والمالكية على أن الغسل أفضل، لكونه الأصل، وهو قول جماعة من الصحابة منهم: عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو أيوب الأنصاري.
قال النووي: صرح جمع من الأصحاب بأن الغسل أفضل، بشرط ألا يترك المسح رغبة عن السنة. اهـ.