بدل غسل الرجلين في الوضوء يوما وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، وليس في هذا التيسير تنقيص للنظافة فالشرط أن يلبسوا خفافهم بعد غسل أقدامهم وطهارتها، وأن لا يخلعوها مدة المسح، فإن خلعوها وجب غسل الأقدام.
ونزلت آية المائدة بفرائض الوضوء قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعام أو بعض عام، وظن البعض أن المسح على الخفين قد انتهى بنزولها، وأن ظروف المشقة بالخلع قد ضاق نطاقها لكن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح بعدها حضرا وسفرا، ليثبت أن منحة الله للأمة مستمرة، وأن الرخصة باقية، فهذا جرير بن عبد الله الذي أسلم بعد نزول آية المائدة يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على خفيه في الحضر، وهذا المغير بن شعبة يروي أنه صلى الله عليه وسلم مسح في السفر، وهذا علي يروي أنه صلى الله عليه وسلم جعل مدة المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، وهذا عمر رضي الله عنه يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين يوم الفتح.
أما جرير رضي الله عنه فقد قضى حاجته ثم استجمر ثم توضأ حتى بلغ غسل رجليه، فلم يخلع خفيه، بل مسح عليهما، فقيل له: تمسح على الخفين في الحضر ومع كثرة الماء؟ قال: نعم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا في الحضر ومع وجود الماء الكثير.
أما المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فيحكي أنه كان في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وفي الليل والجيش يسير قال صلى الله عليه وسلم: يا مغيرة أمعك ماء؟ قال: نعم. قال: انزل به معي، فأوقفا دابتيهما، ونزلا وتخلفا عن القوم، وانحرفا عن الطريق إلى الصحراء ووقف المغيرة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توارى عنه، ثم قضى حاجته، واستجمر بالأحجار، ثم رجع، فتلقاه المغيرة في سواد الليل فقال له: أمعك الماء؟ قال: نعم. فجلس ومد يديه، فصب المغيرة عليهما من فم الإداوة الضيق فغسل كفيه، ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه، ثم شرع يكشف كمه عن ذراعه، فضاقت ولم ينكشف الذراع، فخلع الكمين، وألقى بهما على كتفيه، وأخرج يديه من أسفل الجبة، فغسل يديه إلى المرفقين، ثم مسح بمقدم رأسه بناصيته، وكمل المسح على عمامته، ثم أقبل نحو رجليه، فأسرع المغيرة إليهما يخلع خفيه، فقال صلى الله عليه وسلم: دعهما، فإني لبستهما على طهارة، ثم ركب وركب المغيرة، فأدركا القوم، في صلاة الفجر، يصلي بهم إماما عبد الرحمن بن عوف فلما أحسوا به صلى الله عليه وسلم أسفوا إذ لم ينتظروه، وانزعجوا، وأخذوا في التسبيح ينبهون إمامهم، فتأخر عبد الرحمن بن عوف يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صلى بهم ركعة، فأشار إليه صلى الله عليه وسلم أن يستمر في إمامته، وأن يكمل الصلاة، وصلى خلفه، فلما سلم الإمام قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقام المغيرة فصليا الركعة التي سبقتهما، ثم سلما.
وأما علي -كرم الله وجهه- فقد جاء شريح بن هانئ بعد أن سأل عائشة -رضي الله عنها- عن حكم المسح على الخفين، فقالت له: عليك بابن أبي طالب، فاسأله، فإنه أعلم بذلك مني، لأنه كان يصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا في السفر، فسأل عليا. فقال له: نعم. حدد رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يوما وليلة، يمسح فيها ما لم ينزع.