الخروج منه، واستعمال الجارحتين على هذا النحو إنما هو إن تيسر، فإن شق ترك، كالركوب، فإن البداءة بوضع اليسرى في الركوب أيسر وأسهل، وإن كان مما تستعمل فيه إحداهما خصت اليمين بالراجح، والشمال بالمرجوح، فيأكل بيمينه، ويتناول من الغير بيمينه، ويستنجي ويمتخط بشماله. اهـ.

وقال النووي: هذه قاعدة مستمرة في الشرع، وهي أن ما كان من باب التكريم والتشريف، كلبس الثوب والسراويل والخف ودخول المسجد والسواك والاكتحال، وتقليم الأظفار وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام من الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود، وغير ذلك مما هو في معناه يستحب التيامن فيه، وأما ما كان بضده، كدخول الخلاء والخروج من المسجد والامتخاط والاستنجاء وخلع الثوب والسراويل والخف وما أشبه ذلك فيستحب التياسر فيه، وذلك كله لكرامة اليمين وشرفها. ثم قال: وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين على اليسار من اليدين والرجلين في الوضوء سنة لو خالفها فاته الفضل، وصح وضوؤه، وقالت الشيعة: هو واجب، ولا اعتداد بخلاف الشيعة.

قال الحافظ ابن حجر: وقد استدل بالحديث على استحباب الصلاة عن يمين الإمام، وفي ميمنة المسجد. اهـ.

وقال القاضي عياض: وسبب محبته صلى الله عليه وسلم اليمين التبرك باسم اليمين، وقيل: لأنه كان يحب الفأل الحسن، إذ أصحاب اليمين أهل الجنة. والله أعلم.

خامسا: حكم التبرز في طريق الناس أو في ظلهم: أما التبرز في طريق الناس أو في ظلهم فقد جاءت عبارة النهي عنه بلفظ "التخلي" وهو يشمل التبرز والتبول، إذ التخلي هو التفرد لقضاء الحاجة من بول أو غائط، لكن النووي فسره بالتغوط فقط، ولعل وجهه أن التضرر في الغائط محقق بخلاف البول، فقد لا يحصل به التضرر، لكن بقاء الحديث على إطلاقه أولى، لما يجلبه البول وخاصة إذا تكرر في موضع واحد من روائح شديدة الكراهة وأمراض يصعب تجنبها، وإلى هذا التعميم يذهب أكثر العلماء، نعم يؤيد النووي ما رواه أبو داود عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل" فكأن النووي حمل العام على بعض أفراده، أو حمل المطلق على المقيد، لكن إسناد الحكم لفرد لا يمنع من إسناده لآخر ضمن اللفظ العام.

والمراد من الطريق كل موضع يمر به الناس ويطرقونه ويسلكونه غالبا وليست الطرق المهجورة، ولا الطرق الخاصة المملوكة، لأن إضافته للناس تفيد الشيوع، والمنفعة العامة.

والمراد من "ظلهم" مستظلهم الذي اتخذوه مقيلا ومناخا، ينزلونه ويقعدون فيه، فيخرج عن ذلك ظل الشجرة التي لا تتخذ لذلك لبعدها عن الناس، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد لحاجته تحت حائش من النخل، أي تحت نخل ملتف مجتمع، كما يخرج عن ذلك الظل المملوك للشخص، فإن صاحبه لا يدخل في النهي، ويحرم على غير صاحبه بدون إذنه اتفاقا.

وحكم التبرز في طريق الناس أو ظلهم الحرمة كما ذهب النووي والرافعي بل قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015