8 - آداب أخرى لقاضي الحاجة لم تذكر في أحاديثنا.
وهذا هو التفصيل:
أولا: حكم استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط، وحكمته، وأدلته: قبل الكلام على حكم استقبال القبلة أو استدبارها نوضح أن أماكن قضاء الحاجة إما صحراء خالية من ساتر، وإما صحراء مع الساتر، وإما فضاء دون ساتر داخل المدن كالأسطح والميادين، وإما بناء غير معد لقضاء الحاجة داخل المدن، وإما مرحاض معد لذلك داخل المدن أو خارجها.
وقد اختلف الفقهاء في الحكم على مذاهب:
الأول: تحريم استقبال القبلة، أو استدبارها ببول أو غائط مطلقا، في صحراء أو في غيرها، في بنيان أو غير بنيان، حتى المراحيض المعدة لذلك، وهو المشهور عن أبي حنيفة وأحمد، وقال به أبو ثور صاحب الشافعي، ورجحه من المالكية ابن العربي، ومن الظاهرية ابن حزم، وهو مذهب مجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري، وهو مذهب أبي أيوب الأنصاري راوي الرواية الرابعة في مجموعة أحاديثنا.
وحجتهم عموم النهي "نهانا أن نستقبل القبلة، لغائط أو بول". إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا". "إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها" فهذه الأحاديث كلها تدل على العموم؛ ولم يصححوا حديث جابر، ولفظه عند أحمد "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا هرقنا الماء؛ قال: ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة" وادعوا الخصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم بالنسبة لحديث ابن عمر في روايتيه السادسة والسابعة.
وقالوا: إن المنع لأجل تعظيم القبلة، وهو موجود في الصحراء والبنيان فالجواز في البنيان إن كان لوجود الحائل فهو موجود في الصحراء لأن بينها وبين الكعبة جبالا وأودية وغير ذلك.
الثاني: جواز استقبال القبلة أو استدبارها بالبول والغائط مطلقا؛ وهو قول عائشة وعروة وربيعة وداود، واعتلوا بأن الأحاديث تعارضت فليرجع إلى أصل الإباحة.
واستندوا إلى حديث جابر المروي عن أحمد، وحديث ابن عمر المذكور في الروايتين السادسة والسابعة، قالوا: ودعوى الخصوصية لا دليل عليها، والخصوصيات لا تثبت بالاحتمال. كما استدلوا بحديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن أناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أو قد فعلوها؟ حولوا بمقعدي" أي إلى القبلة. رواه أحمد في مسنده وابن ماجه. وإسناده حسن.
بل قيل: إنهم ذهبوا إلى أن الأحاديث التي استند إليها الفريق الأول منسوخة بما ذكروه.
الثالث: تحريم استقبال القبلة أو استدبارها ببول أو غائط في الصحراء دون البنيان وهو مذهب مالك والشافعي وإسحق، وأحمد في إحدى روايتيه.
واحتجوا بحديث ابن عمر، فإنه يدل على جواز استدبار القبلة في الأبنية وبحديث جابر، فإنه