وحذر من التساهل في البول وآثاره، وشدد على التنزه منه، وبين أنه من أسباب عذاب القبر، لأن التساهل فيه يؤدي إلى نجاسة الثوب والبدن، فلا تصح معها الصلاة كما نهي في أحاديث كثيرة عن خروج الرجلين معا إلى الخلاء، وعن خروج المرأتين كذلك يكلم بعضهما بعضا على البول والغائط، وعن الأكل والشرب أو الكلام أو الذكر أثناء قضاء الحاجة، ونهي عن إدخال المصحف وكتب العلم إلى مكان قضاء الحاجة، وسن ذكرا خاصا عند الدخول، وآخر عند الخروج، اعترافا بنعمة الله وشكرا له جل شأنه على آلائه، وعلى الفضل الذي لا يحس به إلا من فقده أو أصيب فيه.
وهكذا نجد الإسلام في صورته المشرقة، وآدابه الراقية، التي تصل بالإنسانية إلى أعلى الدرجات في المجتمعات الحضارية، وإلى أسمى معالم الإحساس والحياء.
-[المباحث العربية]-
(عن سلمان قال: قيل له) هو سلمان الفارسي رضي الله عنه، وكان الأصل أن يقول: قيل لي، لكنه جرد من نفسه شخصا حكى عنه، والقائل له أحد المشركين، كما سيأتي في الرواية الثانية.
(قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة) قصد بهذا القول السخرية والاستهزاء وعدم الاستحياء، وكان من حق سلمان أن يهدد أو يؤنب أو يسكت عن جوابه إهمالا له، لكنه تجاهل قصده، ورد سهمه في نحره، وأنزله منزلة المسترشد على طريقة الأسلوب الحكيم، كأنه يقول له: إن موقف السخرية والاستهزاء لا يليق بالعقلاء، وإنه كان الأجدر بك أن تسأل على سبيل الجد والاستفهام، لأجيبك بأجل، و"حتى" حرف عطف لإفادة الغاية و"الخراءة" بكسر الخاء وتخفيف الراء اسم لهيئة الحدث، أي فعل التغوط معطوف على "كل شيء"، وأما ما يخرج من الدبر فهو بحذف التاء مع المد وفتح الخاء وكسرها.
(قال: فقال: أجل) أي قال سلمان: فقال سلمان: أجل، وكان الأصل: قال: فقلت: أجل، أي نعم. علمنا كل شيء نحتاج إليه في ديننا، حتى الخراءة التي ذكرتها أيها المستهزئ، فإنه علمنا آدابها. و"أجل" بتخفيف اللام مثل "نعم" حرف جواب. قال الأخفش: هي أحسن من نعم في الخبر، و"نعم" أحسن منها في الاستفهام، وهما معا حرفا تصديق في الثبوت والنفي.
(لقد نهانا أن نستقبل القبلة) اللام في جواب قسم محذوف، لتأكيد الجملة لمناسبة إنكار السائل، و"أن" وما دخلت عليه في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف أي نهانا عن استقبال القبلة، و"أل" في القبلة للعهد، والمراد بها الكعبة.
(لغائط أو بول) قال النووي: كذا ضبطه في مسلم "لغائط" باللام، وروي في غيره "بغائط" كما روي "بالغائط" بالباء واللام.
والغائط كناية عن إخراج الفضلات من الدبر، وهو في الأصل المنخفض من الأرض في الفضاء، ومنه قيل لموضع قضاء الحاجة، لأنهم كانوا يقصدونه للتستر فيه، وعدم التعرض لكشف الثياب بفعل الريح. ثم اتسع فيه، حتى صار يطلق على الخارج المعروف من دبر الآدمي.