المسجد بين الحين والحين ليقضي بين الناس، وليجتمع بأولي الشأن وأهل العلم، وليقوم بالوعظ والنصح عندما يرى الخلل، فجلس يوما هذا المجلس ونادى مولاه حمران، وطلب منه أن يأتيه بماء للوضوء، وأمام القوم بدأ يتوضأ وهو يقول: ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ كان من السهل أن يطلب من حمران أن يصب عليه من الإناء، لكنه أراد أن يشعرهم بتواضعه، وأن يبين لهم طريقة استخدام الشخص لنفسه إناء الوضوء، أخذ الإناء من حمران فوضعه على الأرض، ثم شمر عن ساعديه: وأكفأ الإناء قليلا على كفيه، ثم أعاده وغسل كفيه بما فيهما من ماء، ثم أكفأه مرة ثانية على كفيه فغسلهما ثم أكفأه مرة ثالثة فغسلهما، وكان الإناء ذا فم واسع، فأدخل فيه يمينه فملأ كفها، ثم أخرجها فتمضمض واستنشق من هذه الكف، ثم استنثر فأخرج ماء أنفه بيسراه، فعل ذلك ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه للمرة الرابعة فملأ كفها، ثم أخرجها وأسند إليها اليسرى فغسل بهما وجهه، فعل ذلك ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه فملأ كفها وأسال ماءها على يده اليمنى إلى المرفقين تدلكها يسراه، فعل ذلك ثلاث مرات، ثم أدخل يده اليمنى في الإناء فملأ كفها، ثم أخرجها فأسند إليها كف اليسرى، ثم أسال الماء على يسراه إلى المرفقين تدلكها يمناه، فعل ذلك ثلاث مرات، ثم أدخل يده فأخرج ماء مسح به رأسه، ثم أدخل يده فأخرج ماء ثلاث مرات غسل بها رجله اليمنى إلى الكعبين، ثم ثلاثا أخرى غسل بها رجله اليسرى إلى الكعبين ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ

نحو وضوئي هذا.

هذا ما كان من عثمان رضي الله عنه لكن جماعة أخرى لم يكونوا قريبين من عثمان حتى يروا منه الوضوء الصحيح لجئوا إلى فقيه من فقهاء الصحابة هو عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري وطلبوا منه أن يريهم وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فدعا بإناء وتوضأ أمامهم مثل وضوء عثمان السابق، ثم قال: هكذا كان وضوء النبي صلى الله عليه وسلم.

وهكذا حرص كل خلف أن يتمثل وضوء سلفه، وعلم الآباء الأبناء، ونقل كل جيل هيئات العبادة نقلا متواترا عن الجيل الذي قبله، حتى جاءتنا الشريعة الغراء واضحة جلية، لا لبس فيها ولا غموض، وستظل هكذا إلى يوم القيامة إن شاء الله.

-[المباحث العربية]-

(عن حمران مولى عثمان) "حمران" بضم الحاء وسكون الميم، كان من سبي عين التمر، سباه خالد بن الوليد رضي الله عنه، فوجده غلاما كيسا فوجهه إلى عثمان رضي الله عنه، فأعتقه، وكان كاتبه وحاجبه، وولي نيسابور من الحجاج، وهو تابعي.

(أن عثمان بن عفان دعا بوضوء) في القاموس: وضؤ ككرم، فهو وضيء، والوضاءة الحسن والنظافة، وتوضأت للصلاة، وتوضيت لغية أو لغة، والميضأة الموضع يتوضأ فيه ومنه، والوضوء بضم الواو الفعل، وبالفتح ماؤه، ومصدر أيضا، أو لغتان قد يعني بهما المصدر، وقد يعني بهما الماء. اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015