الشرك، وهاجمه الحافظ ابن حجر بشدة، فقال: هذه غفلة شديدة من ابن المنير، لأن الشفاعة لأبي طالب في تخفيف العذاب لم ترد، وطلبها لم ينه عنه، وإنما وقع النهي عن المغفرة العامة، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك الشفاعة وطلب التخفيف، بل شفع له حتى خفف عنه العذاب بالنسبة لغيره من المشركين.
هذا بعض ما قلناه هناك، مما يتعلق بشرح حديث الباب؛ وقد استشكل ثبوت الشفاعة لأبي طالب بقوله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين} [المدثر: 48] وأجيب بأنه خص، ولذلك عدوه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: معنى المنفعة في الآية تخالف معنى المنفعة في الحديث "لعله تنفعه شفاعتي" لأن المراد بها في الآية الإخراج من النار، وفي الحديث المنفعة بالتخفيف. وبهذا الجواب جزم القرطبي، وأجاب بجواب آخر، حاصله: أن النفع المنفي في الآية إنما هو بحسب شعور الكافر وإحساسه، ففي روايتنا السابعة "ما يرى أن أحدا أشد منه عذابا، وإنه لأهونهم عذابا" فلما لم يحس المخفف عنه بأثر التخفيف كان كأنه لم ينتفع في نظر نفسه.
وهذان الجوابان معارضان بقوله تعالى: {ولا يخفف عنهم من عذابها} [فاطر: 36] فالأولى الرجوع إلى أنه خص. قال البيهقي: صحت الرواية في شأن أبي طالب، فلا معنى للإنكار من حيث صحة الرواية، ووجهه عندي أن الشفاعة في الكفار إنما امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد؛ وهو عام في حق كل كافر، فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه. اهـ. وهو كلام جيد.
وفي الحكمة في جعل عذاب أبي طالب في قدميه يقول السهيلي: إن أبا طالب كان تابعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بحمايته، إلا أنه استمر ثابت القدم على دين قومه، فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على دين قومه. قال الحافظ ابن حجر: كذا قال، ولا يخلو عن نظر. اهـ.
-[ويؤخذ من الحديث]-
1 - ثبوت الشفاعة لأبي طالب خاصة من بين الكفار.
2 - الاعتراف بالفضل لأهل الفضل، والعمل على رد الجميل.
3 - خصوصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفضله عند ربه وقبول شفاعته.
4 - أن عذاب الكفار متفاوت.
5 - وأن أقله لا تطيقه الجبال.
أعاذنا الله منه، ورزقنا الحسنى وزيادة، بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.