وأما وجه اختيار عيسى لمحمد فلأنه خاتم النبيين، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولأنه سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض، كما جاء في الروايات الأخرى.

وقال الحافظ ابن حجر: وقد قيل: إنما اختص المذكورون بذلك لمزايا أخرى، لا تتعلق بالتفضيل، فآدم لكونه والد الجميع، ونوح لكونه الأب الثاني، وإبراهيم للأمر باتباع ملته، وموسى لأنه أكثر الأنبياء تبعا، وعيسى لأنه أولى الناس بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال: ويحتمل أن يكونوا اختصوا بذلك لأنهم أصحاب شرائع، عمل بها أتباعهم فيما بين كل واحد منهم والذي بعده. اهـ.

قال النووي: والحكمة في أن الله تعالى ألهم الناس سؤال آدم ومن بعده صلوات الله وسلامه عليهم، ولم يلهمهم سؤال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ابتداء هي -والله أعلم- إظهار فضيلة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم لو سألوه ابتداء لكان يحتمل أن غيره يقدر على هذا ويحصله، وأما إذا سألوا غيره من رسل الله تعالى وأصفيائه، فامتنعوا، ثم سألوه فأجاب، وحصل غرضهم، فهو النهاية في ارتفاع المنزلة وكمال القرب وعظيم الإدلال والأنس. اهـ.

وهل كان الأنبياء يعلمون صاحب الشفاعة الحقيقي حين أحال كل منهم على الآخر؟ أو لم يكونوا يعلمون؟ أجاب عن ذلك القاضي عياض فقال: قال كل منهم: لست هناكم، أو لست لها، تواضعا، وإكبارا لما يسألونه، وقد تكون إشارة من كل واحد منهم إلى أن هذه الشفاعة وهذا المقام ليس له بل لغيره، وكل واحد منهم يدل على الآخر، حتى انتهى الأمر إلى صاحبه، قال: ويحتمل أنهم علموا أن صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم على التعيين وتكون إحالة كل منهم على الآخر لغرض تدريج الشفاعة في ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال: وأما مبادرة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وإجابته لدعوتهم فلتحققه صلى الله عليه وسلم أن هذه الكرامة وهذا المقام له صلى الله عليه وسلم خاصة. اهـ.

وقد تعرض الحافظ ابن حجر للذين يطلبون الشفاعة من محمد صلى الله عليه وسلم، فساق رواية للنضر بن أنس عن أبيه قال: حدثني نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني لقائم أنتظر أمتي تعبر الصراط إذ جاء عيسى فقال: يا محمد، هذه الأنبياء قد جاءتك يسألونك لتدعو الله أن يفرق جمع الأمم إلى حيث يشاء، لغم ما هم فيه" قال: فأفادت هذه الرواية تعيين موقف النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ، وأن هذا الذي وصف من كلام أهل الموقف يقع عند نصب الصراط، وأن عيسى عليه السلام هو الذي يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الأنبياء جميعا يسألونه في ذلك. اهـ.

وليس في هذا ما يمنع من أن وفود الأمم تتوجه مع الأنبياء إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخذا بظاهر قوله في أكثر الروايات: "فيأتوني" بعد قوله: "فيأتون عيسى". والله أعلم.

3 - أقوال العلماء في معاصي الأنبياء وذنوبهم

وقد اعتذر كل نبي قبل محمد [صلى الله وسلم عليهم جميعا] بانشغاله بنفسه ذاكرا معصيته.

فآدم يذكر أنه أكل من الشجرة، وقد نهي عنها، ففي بعض الروايات "إني قد أخرجت بخطيئتي من الجنة" وفي بعضها "وإني أذنبت ذنبا فأهبطت به إلى الأرض" وفي بعضها "هل أخرجكم من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015