وفي الرواية الأولى "وتبقى هذه الأمة، فيها منافقوها، فيأتيها الله تبارك وتعالى".

قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يحمل على أعم من ذلك، فيدخل فيه جميع أهل التوحيد، حتى من الجن، ويدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر. اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر: ويؤخذ هذا أيضا من قوله في بقية الحديث "فأكون أول من يجيز" فإن فيه إشارة إلى أن الأنبياء بعده يجيزون أممهم. اهـ.

ومن هذا يعلم مصير الغابرين من أهل الكتاب، فالمؤمنون منهم إيمانا صحيحا قبل المبعث سيجتازون الصراط مع أنبيائهم، أما من أدرك البعثة منهم، ثم كفر بما جاءه من الحق الذي يعرفه كما يعرف أبناءه فهو مسوق إلى النار. داخل في قوله تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}

أما المنافقون فإنهم يتأخرون مع المؤمنين، ويعطى كل واحد منهم نورا مع المؤمنين لما كانوا يظهرونه من الإسلام، وهم يظنون أن تسترهم بالمؤمنين ينفعهم في الآخرة، كما كان ينفعهم في الدنيا، لكن الله يميز المؤمنين حين يتجلى لهم سبحانه "فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه". "ثم يطفأ نور المنافقين" حين يتجهون إلى الصراط، فيقول المنافقون للذين آمنوا: {انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} [الحديد: 13] فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا، فيندفعون إلى النار.

3 - وأما عن الصراط وأحوال الناس عليه فإنه يضرب الصراط بين ظهري جهنم فيكون نبينا صلى الله عليه وسلم هو وأمته أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم. سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم فمنهم المؤمن بقي بعمله (لا يخطف) ومنهم المجازى حتى ينجى "من المؤمنين من يمر" (على الصراط) كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم، ومخدوش مرسل (ينجو بعد الإصابات) ومكدوس (مركوم) في نار جهنم".

هذا ما ورد عن الصراط في رواياتنا، وقد جاءت بعض الروايات بزيادات في وصفه ووصف الكلاليب، وفي رواية لأبي هريرة "وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به" وفي رواية "عليه كلاليب النار" وفي مرسل عبيد بن عمير "أن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب وأنه يؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر" وفيه "والملائكة على جنبتيه يقولون: يا رب سلم. سلم" وعند مسلم قال أبو سعيد: "بلغني أن الصراط أحد من السيف، وأدق من الشعرة، وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن أبي هلال قال: "بلغنا أن الصراط أدق من الشعر على بعض الناس، ولبعض

طور بواسطة نورين ميديا © 2015