(فقال بعضهم لبعض سلوه عن الروح فقالوا ما رابكم إليه لا يستقبلكم بشيء تكرهونه فقالوا سلوه فقام إليه بعضهم فسأله عن الروح) قال النووي هكذا في جميع النسخ "ما رابكم إليه" أي ما دعاكم إلى سؤاله أو ما شككم فيه حتى احتجتم إلى سؤاله أو ما دعاكم إلى سؤال تخشون سوء عقباه اهـ
وقال الخطابي الصواب "ما أربكم" بتقديم الهمزة وفتحتين من الأرب وهو الحاجة وفي رواية للبخاري "فقام رجل منهم فقال يا أبا القاسم ما الروح" وفي رواية عند الطبري "فقالوا أخبرنا عن الروح" قال ابن التين اختلف الناس في المراد بالروح المسئول عنه في هذا الخبر على أقوال الأول روح الإنسان الثاني روح الحيوان الثالث جبريل الرابع عيسى الخامس القرآن السادس الوحي السابع ملك يقوم وحده صفا يوم القيامة الثامن ملك له أحد عشر ألف جناح ووجه التاسع خلق كخلق بني آدم لهم روح يأكلون ويشربون اهـ أما ألفاظ الروح الواردة في القرآن فمنها {نزل به الروح الأمين} [الشعراء 193] {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} [الشورى 52] {يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده} [غافر 15] {وأيدهم بروح منه} [المجادلة 22] {يوم يقوم الروح والملائكة صفا} [النبأ 38] {تنزل الملائكة والروح فيها} [القدر 4] فالأول جبريل والثاني القرآن والثالث الوحي والرابع القوة والخامس والسادس محتمل لجبريل ولغيره وأطلق روح الله على عيسى وثبت عن ابن عباس أنه كان لا يفسر الروح أي لا يعين المراد به والأكثرون على أن اليهود سألوا عن الروح التي تكون بها الحياة في الجسد وقال أهل النظر سألوه عن كيفية مسلك الروح في البدن وامتزاجه به وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه وقال القرطبي الظاهر أنهم سألوه عن روح الإنسان لأن اليهود لا تعترف بأن عيسى روح الله ولا تجهل أن جبريل ملك وأن الملائكة أرواح
وقال الفخر الرازي المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه وبيانه أن السؤال عن الروح يحتمل عن ماهيتها وهل هي متميزة أم لا وهل هي حالة في متميز أم لا وهل هي قديمة أو حادثة وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من متعلقاتها قال وليس في السؤال ما يخصص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن حقيقتها عن الماهية والجواب يدل على أنها شيء موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها فهو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث وهو الله تعالى بقوله "كن" اهـ
فكأنه قال هي موجودة محدثة بأمر الله وتكوينه ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيها وفي الروح لغتان تذكيرها وتأنيثها
(فأسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئا) أي سكت وقيل أطرق وقيل أعرض عنه وفي البخاري "فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم" زاد في رواية له "فقام متوكئا على العسيب وأنا خلفه"
(فعلمت أنه يوحى إليه) في رواية للبخاري "فظننت أنه يوحى إليه" وفي أخرى له "فقلت إنه يوحى إليه" وإطلاق العلم على الظن مشهور وكذا إطلاق القول على ما يقع في النفس وفي رواية "فقام وحنى من رأسه فظننت أنه يوحى إليه"