قال النووي ظاهر الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صدق الحبر في قوله إن الله تعالى يقبض السماوات والأرضين والمخلوقات بالأصابع ثم قرأ الآية التي فيها الإشارة إلى نحو ما يقول وقال القاضي عياض وقال بعض المتكلمين ليس ضحكه صلى الله عليه وسلم وتعجبه وتلاوته الآية تصديقا للحبر بل هو رد لقوله وإنكار وتعجب من سوء اعتقاده فإن مذهب اليهود التجسيم ففهم منه ذلك وقول الراوي "تصديقا له" إنما هو على ما فهم والأول أظهر
وفي الرواية الخامسة "يطوي الله عز وجل السماوات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون" وفي الرواية السادسة "يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه فيقول أنا الله ويقبض أصابعه ويبسطها" قال النووي قال العلماء المراد بـ "يقبض أصابعه ويبسطها" النبي صلى الله عليه وسلم وأما إطلاق اليدين لله تعالى فمتأول على القدرة وكنى عن ذلك باليدين لأن أفعالنا تقع باليدين فخوطبنا بما نفهمه ليكون أوكد وأوضح في النفوس وذكر اليمين والشمال حتى يتم المثال لأنا نتناول باليمين ما نكرمه وبالشمال ما دونه ولأن اليمين في حقنا يقوي لما لا يقوي له الشمال ومعلوم أن السماوات أعظم من الأرض فأضافها إلى اليمين والأرضين إلى الشمال ليظهر التقريب في الاستعارة وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأن شيئا أخف عليه من شيء ولا أثقل من شيء
قال القاضي وفي هذا الحديث ثلاثة ألفاظ "يقبض" و"يطوي" و"يأخذ" وكلها بمعنى الجمع لأن السماوات مبسوطة والأرضين مدحوة وممدودة ثم يرجع ذلك إلى معنى الرفع والإزالة وتبديل الأرض غير الأرض والسماوات فعاد كله إلى ضم بعضها إلى بعض ورفعها وتبديلها بغيرها قال وقبض النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه وبسطها تمثيل لقبض هذه المخلوقات وجمعها بعد بسطها وحكاية للمبسوط والمقبوض وهو السماوات والأرضون لا إشارة إلى القبض والبسط الذي هو صفة القابض والباسط سبحانه وتعالى ولا تمثيل لصفة الله تعالى السمعية المسماة باليد التي ليست بجارحة
(حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه حتى إني لأقول أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم) "من أسفل شيء منه" أي من أسفله إلى أعلاه لأنه بحركة الأسفل يتحرك الأعلى ويحتمل أن تحركه بحركة النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الإشارة قال القاضي ويحتمل أن يكون بنفسه هيبة لسمعه كما حن الجذع ثم قال والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم فيما ورد في هذه الأحاديث من مشكل ونحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشيء {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى 11] وما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه فهو حق وصدق فما أدركنا علمه فبفضل الله تعالى وما خفي علينا آمنا به ووكلنا علمه إليه سبحانه وتعالى وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به