الثانية "إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة" وفي الرواية الثالثة "لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت ليعزم في الدعاء" وعند البخاري "إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئت فأعطني ... " والمراد من المسألة السؤال والدعاء ومعنى الأمر بالعزم الجد فيه وأن يجزم بوقوع مطلوبه ولا يعلق ذلك بمشيئة الله تعالى وإن كان مأمورا في جميع ما يريد فعله أن يعلقه بمشيئة الله تعالى وقيل معنى العزم أن يحسن الظن بالله في الإجابة وقوله "اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت" أمثلة ففي رواية للبخاري زيادة "اللهم ارزقني إن شئت" ومعنى قوله في الرواية الثانية "ليعظم الرغبة" أي يبالغ في ذلك بتكرار الدعاء والإلحاح فيه ويحتمل أن يراد به الأمر بطلب الشيء العظيم الكثير ويؤيده قوله في آخر الرواية الثانية "فإن الله لا يتعاظمه شيء" وطلب الشيء العظيم إنما يكون من العظيم
(فإن الله لا مستكره له) بضم الميم وكسر الراء وفي الرواية الثالثة "لا مكره له" وهما بمعنى أي لا أحد يكرهه والذي يحتاج إلى التعليق بالمشيئة من إذا كان المطلوب منه يتأتى إكراهه على الشيء فيخفف الطالب الأمر عليه ويعلمه بأنه لا يطلب منه ذلك الشيء إلا برضاه وأما الله تعالى فمنزه عن ذلك فليس للتعليق فائدة ويحتمل أن التعليق على المشيئة في حالة الطلب يوهم اعتقاد البخل فإن البخيل هو الذي يتردد في الإعطاء والإجابة ويحتمل أن في التعليق على المشيئة إيهاما بالاستغناء عن المطلوب والمطلوب منه والأول أولى ففي الرواية الثالثة "فإن الله صانع ما شاء لا مكره له"
-[فقه الحديث]-
قال ابن عبد البر لا يجوز لأحد أن يقول اللهم أعطني إن شئت وغير ذلك من أمور الدين والدنيا لأنه كلام مستحيل لا وجه له لأنه لا يفعل إلا ما شاءه اهـ
وظاهره أنه حمل النهي عن التحريم قال الحافظ ابن حجر وهو الظاهر وحمل النووي النهي في ذلك على كراهة التنزيه وهو أولى ويؤيده حديث الاستخارة
وقال ابن بطال في الحديث أنه ينبغي للداعي أن يجتهد في الدعاء ويكون على رجاء الإجابة ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعوا كريما
وقد قال ابن عيينة لا يمنعن أحدا الدعاء ما يعلم في نفسه يعني من التقصير فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال {قال أنظرني إلى يوم يبعثون} [الأعراف 14] وقال الداودي معنى قوله "ليعزم المسألة" أن يجتهد ويلح ولا يقل إن شئت كالمستثني ولكن دعاء البائس الفقير قال الحافظ ابن حجر وكأنه أشار بقوله المستثني إلى أنه إذا قالها على سبيل التبرك لا يكره وهو كلام جيد اهـ
والله أعلم.