ويجوز أن يتناول العمل الصالح والجنة اهـ ويبعد تفسير البر بالجنة قوله "وإن البر يهدي إلى الجنة" فإن الوسيلة غير الغاية
وفي الرواية الثانية "إن الصدق بر" فهو نوع من الخير وفي الرواية الثالثة "عليكم بالصدق" أي الزموا الصدق في كل أقوالكم
(وإن الرجل ليصدق) أي يتكرر صدقه في أخباره فالفعل المضارع "يصدق" يدل على التجدد والحدوث
(حتى يكتب صديقا) قال ابن بطال المراد أنه يتكرر منه الصدق حتى يستحق اسم المبالغة في الصدق وقال النووي معنى "يكتب" هنا يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم والمراد إظهار ذلك للمخلوقين إما بأن يكتبه في ذلك ليشتهر بخطه في الملأ الأعلى وإما بأن يلقى ذلك في قلوب الناس وألسنتهم كما يوضع له القبول وإلا فقدر الله تعالى وكتابه السابق قد سبق بكل ذلك
وفي الرواية الثانية "حتى يكتب عند الله صديقا" وهي تؤيد معنى الكتابة في الملأ الأعلى
وفي الرواية الثانية والثالثة "يصدق ويتحرى الصدق" أي يقصده ويعتني به
(وإن الكذب يهدي إلى الفجور) قال الراغب أصل الفجر الشق فالفجور شق ستر الديانة ويطلق على الميل إلى الفساد وعلى الانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع للشر
(وإن الرجل ليكذب حتى يكتب كذابا) في الرواية الثانية "وإن العبد ليتحرى الكذب حتى يكتب كذابا" وعند مالك "لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب فينكت في قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين"
قال الحافظ ابن حجر وقيد التحري مراد به القصد الصحيح وليس المراد أن الحمد والذم في الصدق والكذب مختص بمن يقصد إليهما فقط فالصدق عموما ممدوح والكذب عموما مذموم
(ملحوظة) ذكر أبو مسعود أن مسلما روى في هذا الحديث زيادة هي "إن شر الروايا روايا الكذب لأن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا يعد الرجل صبيه ثم يخلفه" والروايا جمع روية بتشديد الياء وهو ما يتروى فيه الإنسان قبل قوله أو فعله والمعنى إن شر ما يتروى فيه الإنسان أن يتروى في الكذب لئلا يكذب هازلا أو جادا
قال النووي هذه الزيادة ليست في متن الحديث في جميع نسخ البخاري ومسلم ببلادنا وغيرها وكذا قال القاضي عياض عن جميع النسخ وكذا نقله الحميدي وقال ليست عندنا في كتاب مسلم وقال الحافظ ابن حجر ولم أر شيئا من هذا في "الأطراف لأبي مسعود" ولا في "الجمع بين الصحيحين للحميدي" فلعلهما ذكراه في غير هذين الكتابين
-[فقه الحديث]-
مضى ما فيه الكفاية قبل باب واحد.