قالوا ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو فإذا وجب في مثل هذا جاز فيما هو مصلحة أقل درجة منها وبهذا جزم الخطابي وغيره وذهب آخرون منهم الطبري والمهلب والأصيلي وغيرهم إلى أنه لا يجوز الكذب في شيء أصلا وحملوا الكذب فيما ظاهره كذب مباح على التورية والتعريض كمن يقول للظالم دعوت لك بالأمس ويقصد قوله اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات ويعد امرأته بعطية شيء ويقصد إن شاء الله وأن يظهر من نفسه قوة للحرب

وحاصل التورية والتعريض أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه ولا يتعارض مع الواقع في عقيدة المتكلم وهذا يدخلنا في تحرير معنى الكذب هل هو في واقع الأمر بقطع النظر عن اعتقاد المتكلم أو اعتقاد المخاطب أو هو في اعتقاد المتكلم أو هو في اعتقاد المخاطب

فإذا أخبر الابن بأن أباه ليس في البيت معتقدا أنه ليس في البيت وكان الواقع أنه في البيت فهل ينفعه اعتقاده مع أن خبره غير مطابق للواقع وإذا أخبر بذلك معتقدا أنه في البيت ويقصد الكذب وتبين أنه ليس في البيت فهل يكون كذبا ويضره اعتقاده وإن طابق الخبر للواقع

التحقيق أن التورية والتعريض مع ما فيها من خداع نوع من الكذب على بعض الآراء ثم إنها غير ميسورة وغير مقنعة في كثير من الحالات وبخاصة إذا حاصر المخاطب المتكلم من جميع الجهات وألزمه بالتحديد والوضوح والتصريح

والأولى القول بإباحة الكذب للمصلحة

والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015