الرواية الثالثة "تجدون من شر الناس ذا الوجهين" وفي البخاري "تجد من شرار الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين" قال الحافظ ابن حجر وهذه الألفاظ متقاربة والروايات التي فيها "شر الناس" محمولة على الرواية التي فيها "من شر الناس" ووصفه بكونه شر الناس أو من شر الناس مبالغة في ذلك وفي رواية "أشر الناس" بزيادة الألف وهي لغة في "شر الناس" يقال خير وأخير وشر وأشر ولكن الذي بالألف أقل استعمالا
والمراد من "الناس" من ذكر من الطائفتين المتضادتين خاصة فإن كل طائفة منهما معادية للأخرى ظاهرا فلا يتمكن من الاطلاع على أسرارها إلا بما ذكر من خداعه الفريقين ليطلع على أسرارهم فهو شرهم كلهم ويحتمل أن يراد من "الناس" عموم الناس فيكون على سبيل المبالغة في الذم
(الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه) الجملة تفسير لذي الوجهين وتعرف هذه الصورة عند البلاغيين بصورة التمام والمراد بالوجه الجانب والطريقة والكلام
وفسره النووي بأنه الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه هذا نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل للاطلاع على أسرار الطائفتين
وقال ابن عبد البر حمله على ظاهره جماعة وهو أولى وتأوله قوم على أن المراد به من يرائي بعمله فيرى الناس خشوعا واستكانة ويوهمهم أنه يخشى الله حتى يكرموه وهو في الباطن بخلاف ذلك
قال وهذا محتمل لو اقتصر في الحديث على صدره فإنه داخل حينئذ في مطلق ذي الوجهين لكن بقية الحديث ترد هذا التأويل وهي قوله "يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه" ورواية ابن نمير "الذي يأتي هؤلاء بحديث هؤلاء وهؤلاء بحديث هؤلاء" ترد التأويل المذكور صريحا
-[فقه الحديث]-
الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه قد يكون مصلحا يقول الخير لكل من الطائفتين فلا يكون من شر الناس
من هنا قال العلماء المذموم من يزين لكل طائفة عملها ويقبحه عند الأخرى ويذم كل طائفة عند الأخرى والمحمود أن يأتي لكل طائفة بكلام فيه صلاح الأخرى ويعتذر لكل واحدة عن الأخرى وينقل ما أمكنه من الجميل ويستر القبيح
وقال القرطبي إنما كان ذو الوجهين شر الناس لأن حاله حال المنافق إذ هو متخلق بالباطل وبالكذب مدخل للفساد بين الناس
والله أعلم.