وقد استشكل على هذا ما صدر من عائشة رضي الله عنها في حق ابن الزبير والقصة ساقها البخاري وحاصلها أنه بلغ ابن الزبير وقد بويع من أهل الحجاز بالخلافة أن عائشة رضي الله عنها باعت دارا لها وتصدقت بثمنها فسخط لإسرافها وقال أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها أو لأحجرن عليها وبلغ ذلك عائشة فقالت أهو قال هذا قالوا نعم قالت لله علي نذر أن لا أكلم ابن الزبير أبدا وطال هجرها له واستشفع ابن الزبير إليها فلم تقبل وطال الهجر ودخل عليها بحيلة مع بعض من وسطهم وبعد كثير من العتاب والنقاش والبكاء كلمته وأعتقت في نذرها هذا أربعين رقبة
وأجاب العلماء عن هذا الإشكال بأجوبة أحسنها أن عائشة رضي الله عنها رأت أن ابن الزبير قد ارتكب بما قال أمرا عظيما وهو قوله "لأحجرن عليها" فإن فيه تنقيصا لقدرها وقد نسب لها ارتكاب ما لا يجوز من التبذير الموجب لمنعها من التصرف فيما رزقها الله تعالى مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أم المؤمنين وخالته أخت أمه ولم يكن أحد عندها في منزلته فكأنها رأت أن في ذلك الذي وقع منه نوع عقوق والشخص يستعظم ممن يلوذ به ما لا يستعظمه من الغريب فرأت أن مجازاته على ذلك بترك مكالمته كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلام كعب بن مالك وصاحبيه عقوبة لهما لتخلفهم عن غزوة تبوك بغير عذر ولم يمنع من كلام من تخلف عنها من المنافقين مؤاخذة للثلاثة لعظيم منزلتهم وإزدرائه بالمنافقين لحقارتهم فعلى هذا يحمل ما صدر من عائشة
وقد ذكر الخطابي أن هجر الوالد ولده والزوج زوجته ونحو ذلك لا يتضيق بالثلاث واستدل بأنه صلى الله عليه وسلم هجر نساءه شهرا
والله أعلم.