الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة 91]
إنه يدخل الهواجس في النفوس فتظن بالآخرين شرا فنهى الحديث عن الظن فقال "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" لأنه مبني على غير الواقع فهو كذب يستهين به صاحبه فيكون أكثر وقوعا وأكثر شرا ثم إن الشيطان ينتقل بالظن إلى محاولة التأكد من المظنون فيدفع إلى التجسس والتحسس فنهى الحديث عن التجسس والتحسس أي من لم يتغلب على الشيطان من أول درجة فليتغلب عليه عند الدرجة الثانية "ولا تحسسوا ولا تجسسوا" ثم ينتقل الشيطان بالمتحسس والمتجسس إلى البغضاء والمقت والكراهية فنهى الحديث عن البغضاء والحقد والحسد فمن لم يتغلب على الشيطان في النزعة الثانية فليتغلب عليه عند الدرجة الثالثة "لا تباغضوا ولا تحاسدوا" فإن انتقل الشيطان بالمتباغضين إلى التقاطع والتدابر والهجر قيل لهم "لا تدابروا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام"
هكذا يدخل الشيطان ليفسد دين المسلم وهكذا يجب محاربته ليبقى المسلم مسلما كاملا ولتبقى الأخوة بينه وبين بني جنسه ليكون الجميع عباد الله إخوانا
-[المباحث العربية]-
(لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا) بحذف التاء في الثلاثة وأصله تتباغضوا تتحاسدوا تتدابروا والبغض المقت والكراهية يقال بغض الشيء بفتح الغين يبغضه بضمها بغضا بضم الباء وسكون الغين فهو متعد كأبغض وفي اللازم بغض الشيء بكسر الغين يبغض بفتحها بغضا بضم الباء وسكون الغين وبغض يبغض بضم الغين فهو بغيض ومبغوض
ولما كانت البغضاء من عمل القلوب لا سلطان للإنسان عليها توجه النهي إلى تعاطي أسبابها وإلى ما يترتب على وقوعها من أفعال مكتسبة
و"الحسد" تمني زوال نعمة الغير سواء أرادها لنفسه أم لم يردها لنفسه والنهي متوجه إلى الأسباب وإلى ما يترتب عليه من البغي والعمل على إزالتها قولا أو فعلا
و"التدابر" التولي والإعراض وأصله إعطاء كل من المتقابلين ظهره ودبره نحو الآخر والمفاعلة في هذه الثلاثة ليست مقصودة وليست قاصرة على أن تكون من الجانبين بل النهي موجه عن الفعل ولو من جانب واحد لأنه إذا نهي عن الفعل بطريق المعاقبة والمماثلة نهي عنه إذا كان اعتداء ومن جانب واحد من باب أولى
وقد كثرت الأقوال في المراد من التدابر وكلها كناية الأصل المذكور فقال الخطابي المراد لا تتهاجروا فيهجر بعضكم بعضا اهـ ويبعده الجمع بينهما في روايتنا السابعة ولفظها "لا تهجروا ولا