(نعم: وأبيك - لتنبأن) بضم التاء، وفتح النون والباء المشددة، ونون التوكيد الثقيلة، أي لأنبئنك بأحق الناس بصحبتك الحسنة، وقد استشكل قوله "وأبيك" مع قوله صلى الله عليه وسلم "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم".
وأجيب باحتمال أن يكون الحلف هنا قبل النهي، وقيل: إن في الكلام مضافا محذوف، والتقدير: ورب أبيك، وقيل: ليس الكلام هنا حلفا، وإنما هي كلمة جرت على ألسنتهم غير مقصود بها الحلف، وهي بمثابة قولهم: تربت يمينك، والنهي فيمن قصد حقيقة الحلف، لما فيه من تعظيم المحلوف به، ومضاهاته به سبحانك وتعالى.
(ثم أدناك أدناك) المراد بالدنو القرب إلى البار، وفي لفظ "ثم أدناك فأدناك"، والترتيب تنازلي، أي الأكثر قربا منك، ثم الأقل منه قربا، وهكذا، وفي فقه الحديث تفصيل العلماء لجهات القرب وترتيبها.
(جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يستأذنه في الجهاد) قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون هو جاهمة بن العباس بن مرداس، فقد روى النسائي وأحمد "أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله. أردت الغزو، وجئت لأستشيرك، فقال هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: الزمها". والظاهر أن الاستئذان في الجهاد تكرر ممن له أبوان، وممن له أم.
(فقال: أحي والداك؟ ) "والداك" فاعل لاسم الفاعل، والاستفهام حقيقي.
(قال: ففيهما فجاهد) في الجملة قصر، طريقه تقديم ما حقه التأخير، والأصل فجاهد فيهما، وهو قصر قلب، أي جاهد فيهما، لا في ميادين الكفار، والمقصود بالجهاد فيهما، جهاد النفس في رضاهما، قال الحافظ ابن حجر: ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده، إذا فهم المعنى، لأن صيغة الأمر في قوله "فجاهد" ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما، لهما، وليس ذلك مرادا قطعا، وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد، وهو تعب البدن والمال لهما، ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا. اهـ.
وفي الرواية الرابعة "أقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحد حي؟ قال: نعم. بل كلاهما، قال: فتبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك، فأحسن صحبتهما". ولأبي داود وابن حبان "ارجع، فأضحكهما، كما أبكيتهما". وعند أبي داود "ارجع، فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما". وعند ابن حبان "قال: فإن لي والدين، قال: آمرك بوالديك خيرا، فقال: والذي بعثك بالحق نبيا، لأجاهدن، ولأتركنهما، قال: فأنت أعلم".
وعند أحمد "هاجر رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل باليمن أبواك؟ قال: نعم. قال: أذنا لك؟ قال: لا. قال: فارجع، فاستأذنهما، فإن أذنا لك، وإلا فبرهما".