قال بعض العلماء: رؤيته صلى الله عليه وسلم للأنبياء في السماء محمولة على رؤية أرواحهم، إلا عيسى لما ثبت أنه رفع بجسده، وقد قيل في إدريس أيضا ذلك، وأما الذين صلوا معه في بيت المقدس فيحتمل الأرواح خاصة، ويحتمل الأجساد بأرواحها. والله أعلم بالحقيقة.

ومما هو غني عن البيان أن الهدف من هذا اللقاء، وهذا الاستقبال هو الترحيب والتكريم والتشريف.

وقد أكثر الباحثون في تلمس الحكمة في اختصاص بعض الأنبياء بالذكر دون بعض، فقيل: أمر الجميع بملاقاته، فمنهم من أدركه في أول وهلة فذكر، ومنهم من تأخر فلحق، ومنهم من فاته، وهذا القول زيف وخلط لا يليق في هذا المقام.

وقيل: الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين الإشارة إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه، من أمثال ما وقع لكل منهم.

فأما آدم فكان التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض على أنه سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم الخروج من مكة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة، وكراهة فراق ما ألف من الوطن، ثم مآل كل منهما أن يرجع إلى وطنه الذي أخرج منه.

وأما عيسى ويحيى فكان التنبيه بهما على ما وقع له من أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم في البغي عليه، وإرادتهم وصول السوء إليه.

وأما يوسف فكان التنبيه به على ما وقع له من قريش أهله وإخوته - في نصبهم الحرب له، وإرادتهم هلاكه، وكانت العاقبة له، وقد أشار إلى ذلك بقوله يوم الفتح لقريش: أقول كما قال يوسف "لا تثريب عليكم اليوم".

وأما إدريس فكان التنبيه به على رفع منزلته عند الله.

وأما هارون فكان التنبيه به على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه.

وأما موسى فكان التنبيه به على ما وقع له من معالجة قومه، وقد أشار إلى ذلك بقوله "لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر".

وأما إبراهيم فكان التنبيه به على ما فرض عليه من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت.

وهذه مناسبات لطيفة أبداها السهيلي، وأوردها الحافظ ابن حجر في الفتح، ولكنها لا تصل درجة العلة والحكمة وبيان السبب، ولو ذكر غيرهم لوجدت مناسبات أخرى لهم تضاهي هذه المناسبات.

وشبيه بهذا ما قيل في سر اختصاص كل منهم بالسماء التي لقيه بها إذ قال ابن أبي جمرة: الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا أنه أول الأنبياء، وأول الآباء، وهو أصل، فكان أولى بالأولى، لتأنس البنوة بالأبوة، وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدا من محمد، ويليه يوسف، لأن أمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015