ويحبه الله ورسوله، وسيفتح الله خيبر على يديه، وتمنى كل واحد منهم أن ينال هذا الشرف العظيم، حتى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما تمنيت الإمارة في يوم من الأيام، إلا في تلك الساعة وانتظر المسلمون الصباح بفارغ الصبر، وسارعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل من زعمائهم وقادتهم يتطاول بعنقه نحو الرسول صلى الله عليه وسلم يرجو هذا الشرف، وكأنه يقول: أنا هو؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين علي بن أبي طالب؟ لم يكن أحد منهم ينتظر ذلك، فعلي مريض يشكو عينيه، ولم يحضر حصار الأيام الماضية ولقد تركوه بالمدينة، لكنهم قاموا يبحثون عنه - وإذا بسلمة بن الأكوع يراه من بعيد قادما من المدينة، لقد لام نفسه على أن يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مهما كان عذره، فتحامل، وصبر وصابر، ولحق بالجيش، وصحبه سلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبصق في كفه الشريف ومسح بكفه على عينيه،

فبرأ كأن لم يكن به وجع، وسلمه راية القيادة، فبارز قائد اليهود فقضى عليه وفتح الله به خيبر.

ومرت الأيام وتعددت الغزوات. غزوة مؤتة والحرقات والفتح وحنين، وأوطاس، والطائف، وفي كل غزوة منها نجد عليا رضي الله عنه جنديا عاملا مجاهدا، إن وضع في المقدمة كان في المقدمة، وإن وضع في الساقة كان في الساقة ليس حريصا على قيادة، وإن كان أهلا لها، ولا آسفا عليها إن أبعد عنها، وهكذا كانت تربية الإسلام للقادة، بل في أصعب الغزوات وأشدها وأخطرها، غزوة تبوك، نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحجبه عنها، ويعينه على المدينة، غائبا عن المحاربين، ويتألم البطل الشجاع من هذا القرار، ويتظلم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له: أتخلفني هنا مع النساء والصبيان؟ والرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم، حريص على أن يدرب القادة على قيادة الشعب، كما يدربها على قيادة الجيش والرسول صلى الله عليه وسلم هو قائد المسلمين في الحرب وفي السلم.

فليخلف عليا على المدينة في هذه الغزوة، فقال له: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ لقد خلف موسى أخاه هارون في قومه، حين ذهب لمناجاة ربه، وأنا أخلفك على أهل المدينة في غزوتي هذه. فقال علي رضي الله عنه: رضيت يا رسول الله.

-[المباحث العربية]-

(أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي) في الرواية الثانية "خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك" أي خلفه مكانه على المدينة "فقال: يا رسول الله! تخلفني في النساء والصبيان؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ غير أنه لا نبي بعدي" وفي الرواية الثالثة "خلفه في بعض مغازيه" أي تبوك "فقال له علي: يا رسول الله! خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أن لا نبوة بعدي" وعند أحمد وابن سعد، أنه عليه الصلاة والسلام قال لعلي: "لا بد أن أقيم أو تقيم، فأقام علي، فسمع ناسا يقولون: إنما خلفه لشيء كرهه منه، فاتبعه فذكر له ذلك، فقال له: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ فقال علي: رضيت. رضيت. بلى يا رسول الله. قال: فإنه كذلك"

وفي الكلام تشبيه من حيث المعنى. أي أنت في صلتك بي تشبه هارون في صلته بموسى، ووجه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015