بعض أخبار أبيه عمر - قال: فأخبرته، فقال - أي ابن عمر - ما رأيت أحدا قط - بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين قبض - كان أجد وأجود - حتى انتهى - من عمر بن الخطاب".
-[ويؤخذ من أحاديث الباب، بعد ما تقدم]-
1 - من الرواية الأولى تقدير علي رضي الله عنه لعمر ورضاؤه عنه، ودعاؤه له، خلافا لما يزعمه الرافضة من الطعن فيه.
2 - ومن الرواية الثانية فضيلة لعمر، وشدة أمره في الدين.
3 - من طول قميصه أخذ بعضهم أن عمر أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما وتعقب باحتمال تخصيص أبي بكر من عموم قوله "رأيت الناس يعرضون" فلعل الذين عرضوا إذ ذاك لم يكن فيهم أبو بكر، وكون عمر عليه قميص يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر قميص أطول منه وأسبغ، والاقتصار في ذاك الوقت كان لإرادة بيان فضيلة عمر، على أن الخصوصية لا تقتضي الأفضلية.
4 - ومن الرواية الثالثة أن رؤيا اللبن في المنام خير، ويئول شربه بالعلم.
5 - ومن الرواية الرابعة صدق منامه صلى الله عليه وسلم قال النووي: قال العلماء: هذا المنام مثال واضح لما جرى لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما في خلافتهما، وحسن سيرتها، وظهور آثارهما، وانتفاع الناس بهما، وكل ذلك مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم ومن بركته وآثار صحبته، فكان النبي صلى الله عليه وسلم هو صاحب الأمر فقام به أكمل قيام، وقرر قواعد الإسلام، ومهد أموره وأوضح أصوله وفروعه، ودخل الناس في دين الله أفواجا وأنزل الله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلفه أبو بكر رضي الله عنه سنتين وشهرا، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم "ذنوبا أو ذنوبين" وهذا شك من الراوي، والمراد ذنوبان، كما صرح به في الرواية الأخرى، وحصل في خلافته قتال أهل الردة، وقطع دابرهم، واتساع الإسلام، ثم توفي فخلفه عمر رضي الله عنه فاتسع الإسلام في زمنه، وتقرر لهم من أحكامه ما لم يقع مثله، فعبر بالقليب عن أمر المسلمين لما فيها من الماء الذي به حياتهم وصلاحهم وشبه أميرهم بالمستقي لهم، وسقيه هو قيامه بمصالحهم وتدبير أمورهم، قال النووي: وأما قوله صلى الله عليه وسلم في أبي بكر "وفي نزعه ضعف" فليس فيه حط من فضيلة أبي بكر، ولا إثبات فضيلة لعمر عليه، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها، ولاتساع الإسلام وبلاده، والأموال وغيرها، من الغنائم والفتوحات وتمصير الأمصار، وتدوين الدواوين.
قال: وأما قوله صلى الله عليه وسلم "والله يغفر له" فليس فيه تنقيص له، ولا إشارة إلى ذنب، وإنما هي كلمة المسلمون يدعمون بها كلامهم، ونعمت الدعامة.
6 - قال العلماء: وفي كل هذا إعلام بخلافة أبي بكر وعمر، وصحة ولايتهما، وبيان صفتهما.
7 - وفي قوله "فأخذ الدلو من يدي ليروحني" فيه إشارة إلى نيابة أبي بكر عنه، وخلافته بعده، وراحته صلى الله عليه وسلم بوفاته، كما قال صلى الله عليه وسلم "مستريح ومستراح منه" و"الدنيا سجن المؤمن" و"لا كرب على أبيك بعد اليوم".