9 - ومن الرواية الخامسة تبرئة إبراهيم عليه السلام من حقيقة الكذب، وأن ما جرى منه مما يوهم ذلك كان من أجل دين الله.
قال ابن عقيل: الدلالة العقلية تصرف وتبعد إطلاق الكذب على إبراهيم عليه السلام، وذلك أن العقل يقطع بأن الرسول ينبغي أن يكون موثوقا به، ليعلم صدق ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه؟ وإنما أطلق عليه ذلك لكونه بصورة الكذب عند السامع، وعلى تقديره فلم يصدر ذلك من إبراهيم عليه السلام إلا في حال شدة الخوف، لعلو مقامه، وإلا فالكذب المحض في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمل أخف الضررين، دفعا لأعظمهما، وأما تسميته إياها كذبات فلا يريد أنها تذم، فإن الكذب وإن كان قبيحا مخلا، لكنه قد يحسن في مواضع، وهذا منها. اهـ.
وقال المازري: أما الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله تعالى، فالأنبياء معصومون منه، سواء كثيره أو قليله، وأما ما لا يتعلق بالبلاغ، ويعد من الصفات، كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا، ففي إمكان وقوعه منهم، وعصمتهم منه، القولان المشهوران للسلف والخلف.
وقال القاضي عياض: الصحيح أن الكذب، فيما يتعلق بالبلاغ لا يتصور وقوعه منهم، سواء جوزنا الصغائر منهم أم لا، وسواء قل الكذب أم كثر، لأن منصب النبوة يرتفع عنه، وتجويزه يرفع الوثوق بأقوالهم.
وقال المازري: وقد تأول بعضهم هذه الكلمات، وأخرجها عن كونها كذبا، قال: ولا معنى للامتناع من إطلاق لفظ أطلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد عليه النووي بقوله: أما إطلاق لفظ الكذب عليها فلا يمتنع، لورود الحديث به، وأما تأويلها فصحيح، لا مانع فيه.
وقال النووي أيضا: وحتى لو كان كذبا، لا تورية فيه ولا تأويل لكان جائزا في دفع الظالمين، وقد اتفق الفقهاء على أنه لو جاء ظالم، يطلب إنسانا مختفيا، ليقتله ظلما، أو يطلب وديعة لإنسان، ليأخذها غصبا، وسأل على ذلك، وجب على من علم ذلك إخفاؤه، وإنكار العلم به، وهذا كذب جائز، بل واجب، لكونه في دفع الظالم، فنبه النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذه الكذبات ليست داخلة في مطلق الكذب المذموم.
10 - وفي توجيه إبراهيم عليه السلام أخوة سارة مشروعية أخوة الإسلام.
11 - وفي الحديث إباحة المعاريض.
12 - والرخصة في الانقياد للظالم والغاصب.
13 - وقبول صلة الملك الظالم.
14 - وقبول هدية المشرك.
15 - وإجابة الدعاء، بإخلاص النية.
16 - وكفاية الرب لمن أخلص في الدعاء بعمله الصالح، كما في قصة أصحاب الغار.