وقد فسرت رواية البخاري هذا المس، ولفظها "كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه، حين يولد" قال القرطبي: هذا الطعن من الشيطان هو ابتداء التسليط.
(إلا ابن مريم وأمه) وفي الرواية الخامسة "إلا مريم وابنها" وفي رواية للبخاري "غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن، فطعن في الحجاب" والمراد من الحجاب الجلدة التي فيها الجنين أي المشيمة، أو الثوب الملفوف على الطفل، والاقتصار على عيسى في هذه الرواية دفع بعضهم أن يقول عن روايات مريم وابنها: إنه من عطف التفسير، والمقصود الابن، كقولك: أعجبني زيد وكرمه، وحمل الحافظ ابن حجر على هذا القول: وقال: إنه تعسف شديد، وقال: يحتمل أن يكون هذا بالنسبة إلى المس، وذاك بالنسبة إلى الطعن في الجنب. اهـ. وهذا الاحتمال مستبعد، لأن الرواية التي اقتصرت على عيسى نفت الطعن، والتي ذكرتهما نفت المس عنهما، ونفي المس نفي للطعن، وكون مريم طعنت ولم تمس مستبعد.
قال: ويحتمل أن يكون ذاك قبل الإعلام بما زاد - يعني أعلم أولا بنفي الطعن والمس لعيسى، ثم أعلم آخرا بنفيهما عنه وعن أمه - قال: وفيه بعد، لأنه حديث واحد، وقد روي بلفظ "كل بني آدم قد طعن الشيطان فيه حين ولد، غير عيسى وأمه، جعل الله دون الطعنة حجابا، فأصاب الحجاب، ولم يصبهما" قال: والذي يظهر أن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ الآخر، والزيادة من الحافظ مقبولة.
(اقرءوا إن شئتم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم} [آل عمران: 36]) هذه الجملة موقوفة على أبي هريرة، يستدل بها على حفظ الله مريم وابنها من الشيطان، ببركة دعوة أمها، ولم يكن لمريم ذرية غير عيسى.
(فقال له: سرقت)؟ بحذف همزة الاستفهام، ليقر فيحاسبه، وقيل: خبر وإثبات.
(قال: كلا. والذي لا إله إلا هو) وفي رواية للبخاري "قال: كلا. والذي لا إله إلا الله" وفي رواية "قال: لا. والذي لا إله إلا هو".
(فقال عيسى: آمنت بالله، وكذبت نفسي) وفي رواية للبخاري "وكذبت عيني" بالتثنية، وبالإفراد، وفي رواية "وكذبت بصري"، و"كذبت" بتشديد الذال و"نفسي" و"عيني" مفعول، وفي رواية بتخفيف الذال وفتح الباء، و"نفسي" فاعل.
قال ابن التين: قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف، ولم يرد حقيقة تكذيب النفس أو العين في هذا، أي والعين قد تكذب.
وقيل: إنه أراد بالتصديق والتكذيب ظاهر الحكم، لا باطن الأمر، وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين، فكيف يكذب عينه؟ ويصدق قول المدعي؟ أي وإن كنت موقنا باطنا بأنك سرقت، لكني أصدقك ظاهرا من أجل يمينك.
ويحتمل أنه رآه مد يده إلى الشيء، ولم يسرقه، فظن عيسى أنه سرقه، فلما حلف له أنه ما سرقه رجع عن ظنه، وصدقه.