يختلف بالطول والقصر، قاسوا ما وقعت فيه القصة، فوجدوه يبلغ الكعبين، فجعلوا ذلك معيارا لاستحقاق الأول فالأول، وسيأتي توضيح هذا الحكم في فقه الحديث.
(ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) وفي الرواية الثالثة "ذروني ما تركتكم" وفي ملحقها "ما تركتم" بالبناء للمجهول، وفي رواية للبخاري "دعوني" والكلمتان أمات العرب ماضيهما، واسم الفاعل منهما، واسم مفعولهما، وأثبتوا الفعل المضارع والأمر، فقالوا: يدع، دع، ويذر، ذر. و"ما" في "ما تركتكم" مصدرة ظرفية زمانية، أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء، ولا نهي عن شيء، قال: ولم يقل: اتركوني ما تركتكم، على سبيل التفنن في العبارة، وأطلق في النهي، ولم يقيده بالاستطاعة، كما قيد الأمر، لأن المقصود النهي العام عن جميع المناهي، قال الفاكهي: لا يتصور امتثال اجتناب المنهي حتى يترك جميعه، فلو اجتنب بعض شرب الخمر أو بعض الزنا لم يعد متمثلا، بخلاف الأمر المطلق، فإن من أتى بأقل ما يصدق عليه الاسم كان متمثلا.
وقد أخرج مسلم سبب هذا الحديث، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت، حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم ... " الحديث.
(فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم، واختلافهم على أنبيائهم) يريد بالذين من قبلهم بني إسرائيل، ويريد أن كثرة التنقيب قد تفضي إلى المشقة، فقد أمروا أن يذبحوا بقرة، فلو ذبحوا أي بقرة كانت، لامتثلوا، ولكنهم شددوا فشدد عليهم.
وسيأتي في فقه الحديث أقوال العلماء في المراد من المسائل المشار إليها.
(إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن أمر لم يحرم، فحرم على الناس)، قال القاضي عياض: والمراد بالجرم هنا الحرج على المسلمين، لا أنه الجرم الذي هو الإثم المعاقب عليه، لأن السؤال كان مباحا. اهـ.
ورده النووي، فقال: وهذا الذي قاله القاضي ضعيف، بل باطل، والصواب ما قاله الخطابي وجماهير العلماء في شرح هذا الحديث، وأن المراد بالجرم الإثم والذنب، قال: ويقال منه جرم بالفتح واجترم وتجرم إذا أثم. اهـ.
وسيأتي في فقه الحديث تفصيل القول في نوعية السؤال.
(ورجل سأل عن شيء، ونقر عنه) أي بالغ في البحث والاستقصاء عنه.
(بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب، فقال) يحتمل أن يكون الشيء هو الرغبة في أسئلة لا حاجة إليها.
(عرضت علي الجنة والنار) أي وما فيهما من نعيم وعذاب، وفي الرواية الثامنة "إني صورت لي الجنة والنار، فرأيتهما دون هذا الحائط"